الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
5/8/2021
توطئة
على مدار سنوات طويلة كان يتم التعامل مع مصطلح التحرش بنوع من التحفظ مما أدى الى عدم وضوح المقصود بهذا المصطلح وعدم مقدرة العديد من تمييز بعض التصرفات على أنها نوع من أنواع التحرش خاصة تلك المرتبطة بعالم العمل، ونتج عنه تعرض العديد من العمال والعاملات الى ممارسات لم يستطيعوا الافصاح عنها ولا يعلمون أنها مصنفة على أنها شكل من أشكال العنف والتحرش.
ومن حيث المبدأ فإن الأمر الذي يتفق عليه الجميع أننا -جميعنا- نرغب أن تتخلص مجتمعاتنا من هذه الآفة ولكننا نختلف في سعينا نحو تأمين بيئة آمنة لنا ولعائلاتنا وأبناءنا وبناتنا خالية من أي شكل من أشكال العنف والتحرش.
لماذا نسعى لعالم عمل خالٍ من العنف والتحرش
ان كل انسان له الحق في العمل ضمن عالم عمل خالٍ من العنف والتحرش كون هذه الظاهرة أو الآفة تشكل انتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان وتهدد تكافؤ الفرص وتتنافى مع معايير العمل اللائق، ناهيك عن كون التحرش في عالم العمل يؤثر على الصحة النفسية والبدنية والجنسية وكرامة الشخص وأسرته وبيئته الاجتماعية، ومن هنا كانت الدوافع لاعتماد اتفاقية دولية ضمن اطار منظمة العمل الدولية تغنى بالقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل والتي تحمل الرقم 190
ما المقصود بالعنف والتحرش في عالم العمل ( اتفاقية 190)
يشير مصطلح " العنف والتحرش " في عالم العمل الى "مجموعة من السلوكيات والممارسات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها، سواء حدثت مرة واحدة أو تكررت، وتهدف أو تؤدي أو يحتمل أن تؤدي الى الحاق ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي وتشمل العنف والتحرش على أساس نوع الجنس".
ان هذا التعريف الجامع للعنف والتحرش لا يعني فقط ممارسات فعلية بل أيضاً تعتبر السلوكيات غير المقبولة أو التهديدات المرتبطة بها وسواء حدثت مرة أو تكررت تقع تحت تعريف التحرش والعنف.
من هم الفئات التي تحميهم اتفاقية 190
تحمي هذه الاتفاقية العمال والأشخاص الآخرين في عالم العمل، بمن فيهم : المستخدمون كما يرد تعريفهم في القوانين والممارسات الوطنية، فضلاً عن الأشخاص العاملين بغض النظر عن وضعهم التعاقدي، والأشخاص الضالعون في التدريب، بمن فيهم الأشخاص الضالعون في التدريب والتلمذة الصناعية والعمال الذين أنهي استخدامهم والمتطوعون والباحثون عن عمل وطالبو الوظائف والأفراد الذين يمارسون سلطة صاحب العمل أو واجباته أو مسؤولياته، كما تنطبق هذه الاتفاقية على جميع القطاعات، الخاصة منها والعامة، على السواء في الاقتصاد المنظم وغير المنظم وسواء في المناطق الحضرية أو الريفية.
ان توسيع المشمولين في الحماية من العنف والتحرش في عالم العمل حسب اتفاقية 190 لا تشترط أن تكون موظفاً بشروط تعاقدية معينة حتى تتمتع في هذه الحماية، بل وكون هذه الاتفاقية تعتبر اتفاقية حمائية ونابعة من حقوق الانسان فهي بالضرورة تشمل كل انسان متواجد في عالم العمل ويتعرض للعنف والتحرش، وبالتالي فإنه يتوجب على صاحب العمل تأمين الحماية والوقاية للموظفين بكافة أنواعهم والمتدربين وحتى أولئك الذي حضروا الى مكان العمل من أجل تقديم طلب توظيف وحتى المراجعين والمتطوعين، وهذا يضع مسؤولية كبيرة على صاحب العمل لاتخاذ تدابير وقائية تضمن بيئة عمل آمنة وتقضي على أي ظروف قد تساعد على ارتكاب جريمة العنف والتحرش.
لماذا نستخدم مصطلح عالم العمل
اعتمدت الاتفاقية 190 مصطلح عالم العمل بدلاً من مكان العمل أو موقع العمل أو غيرها من المصطلحات كون مصطلح عالم العمل يعتبر مصطلحاً شاملاً وواسعاً وذلك لتأمين الحماية من العنف والتحرش الممكن حدوثها في سياق العمل أو تكون مرتبطة به أو ناشئة عنه:
1- في مكان العمل، بما في ذلك الأماكن العامة والخاصة حيثما تشكل مكان عمل.
2- في الأماكن التي يتلقى فيها العامل أجراً أو يأخذ استراحة أو يتناول وجبة طعام أو يستخدم المرافق الصحية ومرافق الاغتسال وتغيير الملابس.
3- خلال الرحلات أو السفر أو التدريب أو الأحداث أو الأنشطة الاجتماعية ذات الصلة بالعمل.
4- خلال الاتصالات المرتبطة بالعمل، بما فيها تلك التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
5- في أماكن الاقامة التي يوفرها صاحب العمل.
6- عند التوجه الى العمل والعودة منه.
ان المدقق للأماكن التي تشملها اتفاقية 190 تحت مسمى عالم العمل ليدرك أن على صاحب العمل بذل كل ما يمكن للقضاء على أي فرصة لوقوع هذه الجريمة بل وتضع على كاهله مسؤولية حماية العمال في كل مكان له صلة في العمل، بمعنى أن العامل يجب أن يكون محمياً أثناء قدومه للعمل وداخل مكان العمل وفترات الاستراحة والاقامة والسفر والرحلات .. الخ ، وهذا من شأنه محاصرة والقضاء على هذه الجريمة وحماية العمال.
لماذا نحن بحاجة اتفاقية 190
بعد استعراض أبرز ما تؤمنه هذه الاتفاقية من عالم عمل خالٍ من العنف والتحرش من خلال توسيع الممارسات المشمولة على أنها تحرش وعنف وتوسيع الأماكن المحمية ضمن ما يسمى عالم العمل وتوسيع الفئات المحمية من هذه الجريمة؛ قد يقول قائل أننا في المجتمعات العربية كوننا مجتمعات تعتبر "محافظة" فإن هذه الجريمة لا يمكن اعتبارها ظاهرة تستلزم كل هذه الاجراءات الحمائية والوقائية!! ولا نريد أن نقع في فخ اسقاط ما يحدث في المجتمعات الغربية على مجتمعاتنا المحافظة فلكل مجتمع خصوصيته؟!
وهنا أقول صحيح -والحمدلله- أن مجتمعاتنا العربية تعتبر محافظة نوعاً ما ولكن ومع العولمة والانفتاح وشبكات التواصل فإن مجتمعاتنا تؤثر وتتأثر بشكل كبير مع باقي المجتمعات، وقد نختلف على مقدار وجود هذه الجريمة في مجتمعاتنا وخاصة في عالم العمل وهل يمكن وصفها بأنها ظاهرة أم لا، ولكن ما نتفق عليه جميعاً أن هذه الجريمة موجودة بالفعل ولا بد من أخذ اجراءات وتدابير استباقية قبل تفاقمها وتغلغلها في المجتمع.
أعتقد أن الغاية من الاتفاقية 190 هو أنها تأتي كنظام حماية ووقاية استباقي وليست نظام عقوبات، ولعل أبرز ما يحمي المجتمعات هو وجود أنظمة حماية تصون هذه المجتمعات من الجرائم المحتملة، ومن هنا نجد على سبيل المثال أن الاسلام وضع نظام عقوبات صارم على بعض الجرائم كالسرقة والزنا مثلاً مع أن المجتمع المسلم في حينه كان يعتبر شبه خالٍ من هذه الجرائم؛ لذلك فإن المشرع أراد حماية وصيانة المجتمع من هذه الآفات وقطع الطريق على تسربها للمجتمع، وهنا فمن حقنا السعي نحو تشريعات وقائية لنطمئن على أن أبناءنا وبناتنا سيعملون في المستقبل ضمن بيئة عمل آمنة خالية من أي شكل من أشكال العنف والتحرش ولتبقى هذه الآفة غريبة وغير متقبلة في المجتمع.
ما هو المطلوب
باختصار فإن المطلوب هو نشر الوعي بين العمال عن حقوقهم والحمايات المقدمة لهم من خلال هذه الاتفاقية، والسعي كعمال ونقابيين وحقوقيين بالدفع باتجاه المصادقة على هذه الاتفاقية، كما يجب السعي الى تعديل التشريعات العمالية كقانون العمل حتى ينسجم مع التشريعات الدولية وتوسيع مظلة الحمايات للعمال في مجال العنف والتحرش.
ويتوجب على النقابات العمالية عدم الانتظار لحين تعديل التشريعات الناظمة لتثبيت هذه الحمايات؛ بل يتوجب عليها تثبيتها من خلال عقود العمل الجماعية وذلك عملاً بواجب هذه النقابات للسعي لتأمين بيئة عمل آمنة للعمال انطلاقاً من كون هذه الاتفاقية لم تأتي بشكل أساسي لتعاقب مرتكبوا جريمة العنف والتحرش بل هي أتت لتضمن بيئة عمل آمنة وتضع أصحاب العمل أمام مسؤولياتهم لاتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لضمان عدم حدوث هذه الممارسات بين العمال أنفسهم أو المتدربين أو المراجعين أو أي أحد يدخل عالم العمل الذي يقع ضمن مسؤوليتهم.
الاتفاقية 190 وتعديلات قانون العمل الأردني
منذ عدة أشهر اقترحت الحكومة مشروع قانون معدل على قانون العمل يتضمن التعديل على المادة 29 باضافة مصطلح تحرش جنسي ومنذ ذلك الحين والجدال محتدم حول الفرق بين التحرش والاعتداء وعن تعريف كل منهما، وهنا يأتي الاستغراب وهو اذا كان هدف التعديلات على قانون العمل هو التطوير والتحسين والتجويد وان من أولى خطوات هذا التطوير هو انسجام قانون العمل مع التشريعات الدولية المتمثلة باتفاقية العمل الدولية، ونظراً لوجود اتفاقية 190 التي تعنى بالقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل لماذا لم يتم تعديل قانون العمل بما ينسجم مع هذه الاتفاقية لتأمين حماية أكبر للعمال في عالم العمل حتى وان كانت الأردن لم تصادق على الاتفاقية بعد.
هل قامت لجنة العمل النيابية عند شروعها بفتح المادة 29 بدراسة الاتفاقية 190 ودراسة مدى امكانية انسجام التعديلات الجديدة في المشروع المعدل مع هذه الاتفاقية، أم أننا نصر انتهاج أسلوب اختراع العجلة من جديد.
للاطلاع على اتفاقية العمل الدولية رقم 190 والخاصة بالقضاء على العنف والتحرش في عالم العمل اضغط : هنا
إرسال تعليق