الأردن.. حياة دون "الحد الأدنى"

الأردن.. حياة دون "الحد الأدنى"



جيهان الكردي - موقع أريج
23/9/2021

يضطر حمزة "21 سنة"، للعمل عشر ساعات يوميًا في إحدى مقاهي إربد، لتغطية مصاريف دراسته الجامعية. راتبه الشهري لا يتجاوز 250 دينارًا. وفي غالب الأيام يعمل ساعات إضافية بلا مقابل.


يتردد حمزة في المطالبة برفع راتبه أو تحصيل "بدل الإضافي" أو الحصول على اجازة، وهي حقوق نص عليها قانون العمل الأردني. يخشى من تعرضه للفصل إن طلب ذلك: "وين ما تروحي نفس الرواتب، لو تركت ورحت على مكان ثاني، مجبور أقبل بنفس الظروف، أنا مضطر لإكمال دراستي، وتوفير متطلبات الحياة، يعني الواحد بدو يصرف على حاله".

تتشارك مع حمزة شريحة واسعة من العمال في الامتناع عن الشكوى والمطالبة بتطبيق قانون قرار الحد الأدنى للأجور. ارتفع هذا الحد بداية العام الحالي بنسبة 18 في المئة (من 220 إلى 260 دينارا). ومع وصول نسبة البطالة في الأردن 24.7 في المئة - بحسب دائرة الإحصاءات العامة سنة 2020 - يفضل كثير من العمال القبول بأوضاعهم على التقدم بشكاوى.

ما يزال قرار اللجنة الثلاثية لشؤون العمل برفع الحد الأدنى للأجور المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 24-2-2012 يقل عن خط الفقر المطلق للأسرة في الأردن، والبالغ وفق الأرقام الرسمية 480 دينارًا شهريًا.

حقوق ضائعة


لم يتجاوز راتب المعلمة عائشة - اسم مستعار – حدود 220 دينارا، وهو الحد الأدنى القديم للأجور. بدأت العمل في إحدى مدارس إربد الخاصة قبل تسع سنوات، وبقي راتبها يراوح مكانه. ولا تصرف لها إدارة المدرسة راتبا عن أشهر العطلة الصيفية الثلاثة. كانت عائشة تخشى من التظلم، إلى أن طلبت منها مديرة المدرسة أن تقتطع من راتبها جزءاً من مخصصات برنامج الاستدامة (برنامج أطلقته مؤسسة الضمان الاجتماعي، لدعم العاملين في المنشآت غير المصرح لها بالعمل خلال فترة إغلاق كورونا، والعاملين في الأنشطة الأكثر تضررًا من الجائحة).

تقول المعلمة: "أصبحت صاحبة المدرسة تطالبنا بدفع 80 ديناراً من رواتب "الاستدامة" وأحيانا 50 ديناراً، بحجة مساعدة المدرسة في ظل كورونا، كنا مضطرين على الدفع خوفًا على رزقنا".

توجهت عائشة بشكوى لمبادرة "قم مع المعلم" - انطلقت عام 2017 للتوعية بحقوق المعلمين والتصدي للانتهاكات التي يتعرضون لها خصوصًا في مجال الأجور والحقوق العمالية – وتمكنت من الحصول على مخصصات "الاستدامة" دون أي اقتطاع، لكن "حليمة عادت إلى عادتها القديمة". تقول عائشة: "في الشهر التالي تكرر موضوع الخصم". هنا شعرت أنها ستفقد عملها نهائيا، خصوصا أنها المعلمة الوحيدة التي تقدمت بشكوى ضد الإدارة. قررت عائشة الاستسلام ""عشان أريح راسي من دوامة الشكاوى، صرت أعطيها جزء من الراتب المحول من الاستدامة، عشان ما أخسر شغلي للأبد".

ويرجع المحامي المتخصص في القضايا العمالية حازم شخاترة، سبب قلة الشكاوى والدعاوى المرفوعة من قبل العمال، إلى قلة الوعي وخوفهم من الفصل، إلى جانب ازدحام المحاكم، ويضيف: "ما يعيق تطبيق هذا القانون، قلة الدعم اللوجستي، وجهل العامل بحقوقه العمالية".

وتفيد مبادرة "قم مع المعلم" من خلال العضو المؤسس فيها ناريمان الشواهين، أنها تتلقى باستمرار شكاوى حول عدم التزام أرباب العمل بدفع الحد الأدنى للأجور، كذلك عدم دفع بدل ساعات العمل الإضافية. لا تملك المبادرة سوى التواصل مع إدارات المدارس، في محاولة تسوية أي خلاف. وغالبا ما تتبع طرقا ودية خوفا من خسارة المشتكيات أعمالهن.

الشواهين شربت من نفس كأس زميلاتها المعلمات: "إذا استملنا رواتبنا فتكون مقسمة على فترات، حيث ينتهي العام الدراسي وأنا لم أستلم باقي الرواتب، كما أنني لا أحصل على مستحقاتي خلال العطلة الصيفية، حيث يتم إنهاء العقد وتجديده مع العام الدراسي الجديد".

رواتب بالقطارة


اضطرت "إسراء" للعمل في صالون تجميل في إربد منذ ست سنوات، بعدما يئست من إيجاد عمل في مجال دراستها "إدارة الأعمال". لم يتجاوز راتبها عتبة المائتي دينار على مدار خمس سنوات عمل، لكنه وصل مع بداية سنتها السادسة إلى 230 دينارًا دون أن يلامس الحد الأدنى القانوني الجديد.

هذا المبلغ لا تتسلمه "إسراء" كاملًا، بل إن صاحب العمل يحوله بالقطارة: "بيعطيك 50 وبفوت الأسبوع الأول من الشهر التالي ليدفع 50 أخرى، ويمكن في منتصف الشهر يصل المبلغ 200 دينار، ما تبقى يقوم بتقسيطها خمسة وعشرة دنانير".

أصبحت إسراء تصاب بين الفترة والأخرى بالتهابات وحساسية في القصبات الهوائية. أرجع الأطباء السبب إلى روائح مستحضرات التجميل التي تتنشق روائحها بكثرة أثناء عملها. تضطر أحيانًا للجلوس في المنزل لمدة أسبوع دون أجر، ولكنها مجبرة على الاستمرار في العمل بسبب متطلبات الحياة.

تطبيق القانون "بالحد الأدنى"


قرار الحد الأدنى للأجور لا يطبق على 80 في المئة من القوى العاملة الأردنية، وفق تصريح صحفي لرئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن مازن المعايطة. نسبة تشير بوضوح إلى ضعف الرقابة على تطبيق القانون، خصوصا أن حجم القوى العاملة في المملكة يبلغ مليونا و600 ألف بنسبة 27 بالمئة من المجموع العام للسكان، وفق المعهد الوطني للتدريب.

ينص قانون العمل الأردني في المادة 53 على أن: " يعاقب صاحب العمل بغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تزيد على ألف دينار عن كل حالة يدفع فيها إلى عامل أجراً يقل عن الحد الأدنى للأجور أو عن أي تمييز بالأجر بين الجنسين للعمل ذي القيمة المتساوية وذلك إضافة إلى الحكم للعامل بفرق الأجر وتضاعف العقوبة كلما تكررت المخالفة".

وزارة العمل المخولة بالمراقبة على تطبيق القانون لجأت إلى أسلوب تشجيعي لحث أرباب العمل على الالتزام بالقانون. فأطقلت عام 2006 ما تسمى "القائمة الذهبية"، وهي قائمة تدرج فيها الشركات المنشآت الملتزمة بتطبيق أحكام القانون، مثل الالتزام بالأجور وساعات العمل، والعمل الإضافي وتوفير شروط وظروف العمل اللائق.

لكن جائحة كورونا أثبتت عدم جدوى القائمة الذهبية، فقد احالت وزارة العمل 1914 شكوى ضد منشآت الى القضاء، وذلك منذ بداية الجائحة وحتى نهاية شهر نيسان 2021. وبحسب تقرير للوزارة، فقد تجاوز عدد الشكاوى المرتبطة بالأجور 15 ألف شكوى. وتصاعدت الشكاوى العمالية بعد إطلاق وزارة العمل منصة "حماية" على موقعها الالكتروني. وهي منصة لم تكن متاحة قبل رصد الوباء في المملكة.

وتدلل على هشاشة الوضع الرقابي معطيات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2020. وأفادت الدائرة أن نسبة العاملين من دون حماية قانونية واجتماعية وصلت 48 في المئة. وهم عمال القطاع الخاص "غير المنظم". هؤلاء لا يتمتعون بأي حماية وغير مسجلين في مؤسسة الضمان الاجتماعي، ويعملون في قطاعات الإنشاءات والبناء والقطاعات الاقتصادية والزراعية وفي المطاعم وصالونات التجميل والمدارس الخاصة.

وأمام واقع تراجع الأجور وتردد العمال في رفع شكاو ضد أرباب العمل المخالفين، يجد عشرات الآلاف من العمال في مختلف القطاعات أنفسهم مجبرين على العمل في ظروف صعبة لا تحقق أدنى حقوقهم ومتطلبات معيشتهم.


إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020