الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
22/9/2021
ينشغل العالم والناشطين الحقوقيين والنقابيين في ترويج مفهوم العمل اللائق وتحقيق شروطه التي ترتكزعلى عدة أمور أهمها الاستدامة وتوفير الحمايات الاجتماعية اللائقة وتحقيق العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة وأن يكون منتجاً ويصون الكرامة.
لعل هذه المعاني السامية تحتاج جهداً غير عادياً في تحقيقها أولاً وضمان استدامتها ثانياً؛ واننا إذ نتحدث دائماً عن مسؤولية أصحاب العمل في تحقيق هذه الشروط وتوفير البيئة الآمنة واللائقة ومع انطلاق أهداف التنمية المستدامة منذ عدة سنوات نجد أن تحقيق هذه الشروط أو بعضها يتفاوت بين بلد وآخر وإننا في الأردن لننظر للسعي نحو توفير العمل اللائق كمن يمارس الركض على جهاز ثابت "treadmill" فهو وان كان يبذل جهداً ويتصبب عرقاً ويحرق سعرات الا انه ثابت في مكانه لا يتقدم خطوة واحدة!!!
العديد من مشاريع تحقيق شروط العمل اللائق قد تم انجازها والعديد من الورشات تم عقدها والعديد من جلسات التمكين تم اتمامها ولكن ما مدى انعكاس هذه النشاطات على الواقع الفعلي للعمل اللائق .. هنا يتوجب التوقف والتقييم.
فاقد الشيء لا يعطيه
قالوا حتى يفيض كأس الماء يجب أن يمتلئ أولاً وطالماً أن الكأس فارغ فإن أي حديث عن فيضانه وتأثيره بمحيطه لن يتجاوز الصوت والضوضاء كونه يقرع في كأس فارغ!! ، وكذا النقابات العمالية ان كانت جادة بالفعل في السعي نحو تحقيق شروط العمل اللائق فإنه يتوجب عليها الايمان ابتداءاً بهذه الشروط وتحقيق العدالة والمساواة والاستدامة وصون الكرامة داخل العمل النقابي وأن يتمرس النقابيين والعمال على هذه الممارسات ليتمكنوا لاحقاً من الضغط على الحكومة وأصحاب العمل من أجل تحقيق هذه الشروط في عالم العمل.
عندما يتم اقصاء العمال من أدنى أشكال الحوار الاجتماعي داخل جسم النقابات وعندما يتم مصادرة حق هذا العامل في تعديل أنظمته الداخلية بل وحتى معرفة ما يدور خلف الكواليس من نية لتعديل هذه الأنظمة، وعندما يتم حرمان العامل من أبسط حقوقه باختيار ممثليه بل يتم فرض نفس الأشخاص عليه تحت مسميات غير حقيقية " كالتزكية مثلاً".
عندما يعترض عشرات العمال والنقابيين ويلجأ بعضهم للشارع والآخر للقضاء يشتكون من حرمانهم من حق تكافؤ الفرص في المنافسة على قيادة نقاباتهم واصرار القائمين على العمل في الخفاء وعدم اطلاع العمال على ما يدور داخل حصون النقابات العمالية وعندما يتم تعديل الأنظمة الداخلية بشكل يقلل من فرص المساواة وتمكين الشباب والمرأة كرفع رسوم الترشح لانتخابات النقابات العمالية، وعندما يتم اقصاء شريحة كبيرة من العمال والنقابيين الفاعلين بجرة قلم بحجة انهم ينتسبون - قسراً لا اختياراً- لنقابات أخرى!!
اذا كان هذا حال النقابات العمالية التي من المفترض أنها هي من ترفع شعار تحقيق شروط العمل اللائق فأعتقد أن النتيجة المقاربة للصفر انجاز هي نتيجة متوقعة وحتمية؛ فهؤلاء لا يؤمنون بهذه المبادئ بل يتعاملون معها على أنها "ترند" في سوق المشاريع الممولة واقامة الشراكات مع المنظمات الدولية وكأن النقابات تحولت من نقابات عمالية الى نقابات نخبوية ومراكز تدريب مغلقة لأشخاص محددين!!
المنظمات الدولية متهمة
ان المشاريع التي يتم اعتمادها على مستوى العالم وتخصيص المخصصات المالية لها سيوكل تنفيذها لممثلي هذه المنظمات في البلدان المختلفة وكأي موظفين في أي مؤسسة فإن التنافس سيكون هو المحرك لتحقيق هذه المشاريع، فغالبية المسؤولين الاقليميين في هذه المنظمات لم يأتوا من رحم النقابات العمالية وبالتالي لا يدركون حجم معاناة العمال الا كمن يشاهد فيلم حزين قد تذرف عيونه بعض الدموع ولكنه "سينشكح" عند أول فاصل اعلاني مضحك! ؛ أقول أن بعض هذه المنظمات - وليس جميعها- ومع علمها بأن العديد من النقابات العمالية في عالمنا العربي تخلو من قيم المساواة والعدالة وحتى الاستدامة الا انها لا تزال تقيم معها شراكات لتنفيذ مشاريع لتحقيق شروط العمل اللائق وكأن الهدف تحول من تمكين العمال الى انجاز الخطة المعدة وكتابة تقرير يبين كم عدد النشاطات التي تمت خلال المشروع ولا يهم مدى انعكاس هذه النشاطات على واقع العمل اللائق.
المنظمات الدولية بالنسبة للعديد من العمال باتت اليوم في موقف المتهم بالتآمر على العمال وتمكين القائمين على النقابات العمالية من خلال ضخ أموال المشاريع ليستخدمها هؤلاء القادة النقابيين لترسيخ وجودهم واقصاء غيرهم وشراء ذمم المترددين الذين يدورون في كنفهم.
مطلوب تقييم انجاز لا تقييم ورق
من المعروف أنه وبعد انتهاء تنفيذ النشاطات يتم تقييم هذه النشاطات لمعرفة مدى تحقيق الأهداف - القابلة للقياس- وينهمك المقيمون في الصياغة الاحترافية للتقارير ومدى رضى المشاركين عن الجهة المنفذة والمدرب ومدى ارتياحهم في الاقامة الفندقية وهل كانت الوجبات و"البريكات" ملائمة ومناسبة!!! ، ولكن حُق لنا التساؤل هنا وبعد سنوات طويلة عن مدى انعكاس هذه البرامج والمشاريع على واقع العمل اللائق ومدى استفادة العمال منها.
بعد كل هذه السنوات وكل هذه المشاريع والبرامج التي تم تنفيذها، ما هو التمكين الذي تم تحقيقه للشباب والمرأة في نقاباتهم؟ وما هو مستوى العدالة وتكافؤ الفرص المتاح للعمال داخل نقاباتهم ؟ وهل تم تحقيق جزء من المساواة بين الجنسين داخل هذه النقابات؟، ان الاجابة على هذه الأسئلة ستقدم انطباعاً عن بؤس الواقع داخل النقابات العمالية وبالتالي انعدام فرص تحسين الواقع خارجها ان لم يكن له أثر عكسي من زيادة تردي الحال فبائع المسك تجد عنده الريح الطيبة ويتنعم كل من يخالطه ويمر به بهذه الرائحة ونافخ الكير فلن تجد منه سوى الايذاء والرائحة المؤذية حتى أصبح الاقتراب منه فيه أذى كبير، فهل نقاباتنا في وضعها الحالي أقرب الى بائع المسك أم نافخ الكير؟؟!! .. نحن نريدها كبائع المسك بالتأكيد.
نريد نقابات عمالية مستدامة
لتحقيق الاستدامة في التنمية لا بد أن تكون شروط العمل اللائق متحققة كأحد أهداف هذه الاستدامة، وعندما نتحدث عن الاستدامة في العمل النقابي فلا بد أن تكون هذه الكيانات النقابية تحقق شروطاً تضمن استدامتها واتخاذها الشكل المؤسسي والبرامجي وتداول القيادة وتطوير الأنظمة بما يخدم هذه الاستدامة وتفعيل الممارسات الديمقراطية داخلها لضمان استدامتها ككيان وليس كأشخاص.
ان واقع معظم النقابات العمالية لا يتوافق بأي حال مع الاستدامة فغياب الحوار الاجتماعي داخل أروقة النقابات من شأنه التأثير على المساواة والعدالة داخل هذه النقابات وسينعكس على طبيعة المخرجات من أنظمة وقرارات واجراءات ستدفع بالتأكيد الى تكريس واستدامة الأشخاص المسيطرين على النقابات وليس استدامة النقابات نفسها.
ان غياب الخطط الاستراتيجية الواضحة في النقابات العمالية ليؤكد أن أسلوب القيادة في هذه النقابات هو أسلوب الرجل الواحد "one man show" وأن هذه النقابات -في أحسن الأحوال- هي جزء من خطط الآخرين وتغيب عنها غياباً تاماً الرؤية الاستراتيجية ، وعند معرفة أن معدل أعمال رؤساء النقابات هو 70 عاماً تقريباً فإن أي حديث عن استدامة هذه النقابات لن يكون له مكان.
نريد أنظمة داخلية لائقة تضمن استدامة النقابات وتداول سلس للقيادة وترسخ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص لتكون نقابات خضراء ومستدامة منتجة وتصون الكرامة العمالية لا نقابات هشة فارغة كخشب جاف فقد كل أشكال الحياة لا يستفاد منه الا في اشعال الحرائق.
اقرأ أيضاً:
اضاءات قرآنية على شروط العمل اللائق .. حاتم قطيش
دور النقابات العمالية في تحقيق العمل اللائق كأحد أهداف التنمية المستدامة
إرسال تعليق