الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
22/11/2021
اذا ما علمنا أن التنظيم المجتمعي يعرّف على أنه شكل من أشكال القيادة الذي يمّكن مجموعة أو قاعدة مجتمعية من حشد مواردها وتوظيفها لبناء القدرة على إحداث التغيير ثم أردنا أن نعكس هذا المفهوم على النقابات العمالية لمعرفة مدى مطابقة هذه النقابات لمفوهم التنظيم المجتمعي؛ فإن النتيجة ستكون مخيبة لنكتشف أن ما يسمى النقابات العمالية عندنا هي شكل مشوّه من التنظيمات أو قل طفرة غير طبيعية لا يمكن اعتبارها -بوضعها الحالي- أحد أشكال التنظيمات المجتمعية.
القاعدة هي أساس التنظيم المجتمعي
ان التنظيمات المجتمعية يجب أن تكون ثمرة وجود قاعدة مجتعية تنادى النشطاء فيها الى تكوين هذا التنظيم المجتمعي والذي يلامس برؤيته ورسالته احتياجات القاعدة المجتمعية، وعليه يجب أن تكون قيادة هذه التنظيمات تعبر عن رؤية القاعدة لا أن تنقاد القاعدة لرغبات طغمة قليلة من القيادات.
في النقابات العمالية بوصفها أحد أشكال التنظيم المجتمعي وبالرجوع الى ما بعد الثورة الصناعية نجد أنها تكونت بذات الطريقة، فالقضايا والانتهاكات العمالية التي شكلت حالة بؤس عمالية مجتمعية كانت هي الحافز لتكوين تنظيم مجتمعي بمسمى النقابات تشكل حماية لهؤلاء العمال وتساهم في تحسين شروط عملهم وتكون الملاذ لهم بتوفيرها أجواء من الحريات وتساهم في بناء القدرات، أما اذا ما أردنا اسقاط هذا "التنظير" على واقع النقابات العمالية نجد أن قاعدة هذه النقابات -العمال- يعيشون في وادٍ وقيادة هذه النقابات تعيش في وادٍ آخر؛ فبدل أن تسير القيادات النقابية وفق رؤية القاعدة وتنتهج من الخطط الاستراتيجية التي يقرها العمال كخارطة طريق ستحاسبهم عليها لاحقاً، نجد القيادات النقابية هي التي تضع الدساتير والأنظمة الداخلية بشكل منفرد وسري ثم تتخذ قرارات تتعلق بصلب العمل النقابي ثم لا يعلم عنها العمال شيئاً؛ ناهيك عن أن من يتصدر المشهد النقابي ليسوا من جسم الحركة النقابية ولا ينتسبون اليها وانما فرضوا على العمال فرضاً.
التنظيمات تقود ولا تقاد
يتوجب على التنظيمات المجتمعية أن تمتلك رؤية ورسالة واضحة تهدف من خلالها لقيادة المجتمع نحو التغيير الذي تنشده وعليه فلا يُقبل لأي نقابة عمالية على سبيل المثال أن تكون بلا خطة استراتيجية وخطط مرحلية ذات أهداف ووسائل واضحة وبينة ومستدامة، ولعلي كررت في مقالات سابقة عبارة " من لا يمتلك خطته الخاصة، حتماً سيكون أحد وسائل خطط الآخرين"، وما حالة التيه التي تعيشها النقابات العمالية اليوم الا شكلاً من أشكال فقدان البوصلة والعمل على نظام الفزعة وتقزيم الكيانات النقابية من تنظيمات مجتمعية الى هياكل كرتونية تخدم الأشخاص القائمين عليها فقط وتختزل دورها باصدار بيانات التأييد لقرارات الحكومة أو شكر لمسؤول قام بواجبه!!
ان هذه النظرة المقزمة لدور النقابات العمالية للأسف استطاعت بعض القيادات النقابية نقلها الى العمال فأصبح هناك ثقافة سائدة في الوسط العمالي تنظر الى النقابات العمالية على أنها هياكل مطلبية فقط؛ وعلى الرغم من أهمية القضايا المطلبية العمالية الا انه لا يجوز اختصار الحركة العمالية بهذا الجانب فقط على اعتبار أن جميع أشكال التنمية المجتمعية هي من صلب أهداف النقابات العمالية، ومما يبعث على الإحباط أكثر أن النقابات اليوم أصبحت عاجزة عن القيام بدورها المطلبي بحكم التشريعات الجائرة التي وافقت عليها القيادات النقابية الطارئة.
الحرية هي روح التنظيمات المجتمعية
ان الأساس الركين الذي تقوم عليه التنظيمات المجتمعية هو أنها تأسست بحرية وتعمل على توفير أجواء من الحرية لمنتسبيها تكون فضاءاً رحباً للحوار الاجتماعي وأرضاً خصبة لانطلاق المبادرات وأداةً هامة في بناء القدرات وتهيئة القيادات وتبادل الخبرات بتوفير العدالة وتكافؤ الفرص ومكافحة التمييز بأشكاله وصوره.
المشهد البائس للنقابات العمالية اليوم هو مشهد يخلو من الحريات ويقتل الابداع ويغيّب الحوار ولا يدفع باتجاه العدالة وتكافؤ الفرص بل يرسخ التمييز ويقصي الشباب والمرأة عن المشهد النقابي، فالعامل في بعض النقابات العمالية لم يمتلك الحرية في الانتساب لهذه النقابات بل وجد نفسه في ليلة وضحاها منتسباً لنقابة عمالية قهراً ثم هو لا يمتلك حرية اختيار ممثليه بشكل شفاف فمعظم النقابات العمالية تشكلت هيئاتها الادارية على مدار سنوات طويلة بالتزكية ودون اشهار أو اعلان حتى في الصفحات الرسمية لهذه النقابات العمالية!! ، والعامل أيضاً لا يمتلك حرية وضع أنظمة نقابته العمالية ولا حتى يتم مشاورته بها ومؤخراً تم حرمانه من حقه حتى في اقرارها مما يرسخ للعقلية العرفية ويبتعد بعيداً بهذه الهياكل العمالية عن مبادئ التنظيمات المجتمعية لتكون خاوية من روح الحرية.
اقرأ أيضاً :
إرسال تعليق