حاتم قطيش - رنان
13/11/2021
يتداول الأردنيون وسم ( #الأردن_مش_بخير ) ويحاول نشطاء السوشال ميديا من خلال تغريداتهم تحت هذا الوسم ابراز العديد من الانتهاكات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وقضايا الحريات والفساد والواسطات والمحسوبيات والتفريط بمقدرات الوطن وهم لا يتباهون بذلك بل تأتي هذه التغريدات للتوقف عن حالة الإنكار الذي يعيشها البعض فيما يتعلق بالحالة المتردية التي وصلنا اليها على اعتبار أن أولى خطوات الإصلاح هو الإعتراف بوجود خلل والإيمان بالحاجة الحقيقية للاصلاح.
نقابات متأثرة ومؤثرة
النقابات العمالية بوصفها مكون أساس من مكونات الدولة فهي تتأثر في الحالة العامة والترهل الذي تعيشه البلاد، فالتراجع في مستوى الحريات وسن قوانين تحد من حرية التعبير والتجمهر والتراجع في مستوى التشريعات الناظمة والسكوت عن الفاسدين في المال العام؛ كلها قضايا تلقي بظلالها على النقابات العمالية وقيامها بدورها، بالاضافة لحالة الإحباط التي يعيشها المجتمع الأردني هي أيضاً حالة مستشرية في الوسط العمالي؛ فالعمال الذين هم أساس قوة النقابات العمالية هم أيضاً يتأثرون بالحالة العامة التي تسود الشارع الأردني ووصول عدد كبير منهم الى قناعة بعدم جدوى النقابات العمالية أساساً لاختفاء دورها في الدفاع عن العمال بل وصولها الى حالة غريبة من تحول بعض القيادات النقابية من مدافعين عن العمال الى منتهكين للحقوق العمالية!!، وتحول دور النقابات العمالية من الدفاع عن الحريات والحق في التعبير الى انتهاج أسلوب تكميم الأفواه لمنتسبيها!!
قوانين منحازة وأنظمة جائرة
المنظومة التشريعية هي ساحة النضال النقابي الحقيقية والتي لا يلتفت اليها العمال بالعادة، فالعمال -في معظمهم- ينظرون الى النقابات العمالية أنها وسيلة لابرام عقود عمل جماعية تنعكس بشكل مباشر الى دخلهم وإذا ما أنت تحدثت اليهم بخطورة بعض التعديلات على القوانين والأنظمة لم يلتفتوا اليك على اعتبار أن ما تتكلم به ما هو الا ترف فكري لا يهمهم!!
ان المتابع لتعديلات القوانين التي تمس العمال والحركة النقابية بشكل مباشر كقانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي ليلحظ أن هذه القوانين تم تعديلها عدة مرات في السنوات الماضية وكانت هذه التعديلات في معظمها ترجح كفة أصحاب العمل على كفة العمال وتقوض من قوة العمال وتتعدى على الحريات النقابية، والملفت في هذا كله أنها مرت دون اعتراض حقيقي من النقابات العمالية فجل ما تم هو بيانات خجولة في العلن وتسريبات عن موافقة النقابات على هذه التعديلات في السر، فعلى سبيل المثال رفض ممثلو العمال اقتراح رئيس غرفة تجارة الأردن المهندس نائل الكباريتي برفع الحد الأدنى للأجور ( انظر الرابط التالي هنا )، وأيضاً ما أورده الباحث في التأمينات الاجتماعية الدكتور محمد الزعبي باعتراض بعض ممثلي العمال من ادراج بعض المهن ضمن المهن الخطرة!! ( انظر الرابط التالي هنا )، ناهيك عن الدفاع المستميت لتعديلات قانون العمال من قبل نائب رئيس الاتحاد العام الذي هو نفسه رئيس لجنة العمل النيابية في ذلك الحين، بالاضافة الى العديد من التسريبات التي نفى الاتحاد بعضها وسكت عن الكثير منها.
ان التعديلات على قانون العمل التي تمت في العام 2019 تضمنت على سبيل المثال انتهاكاً للحريات النقابية وتعدياً على حق النقابات العمالية من وضع دساتيرها وأنظمتها الداخلية بحرية؛ حيث اشترطت هذه التعديلات موافقة وزارة العمل على أي تعديلات تجريها النقابات العمالية على أنظمتها الداخلية!!!، كما منحت هذه التعديلات حق حل الهيئات الادارية للنقابات العمالية لوزير العمل بينما كانت في السابق بيد القضاء، والغريب أيضاً أن بعض قيادات النقابات العمالية كانت تدافع عن هذه التعديلات بل قام الاتحاد العام لاحقاً باستنساخ تجربة تعديلات القوانين على تعديلات أنظمته الداخلية لتخرج في صيغتها النهائية ، فقد تم تعديل أنظمة النقابات العمالية لتصادر حق الهيئات العامة من المصادقة على الأنظمة الداخلية واشتراط موافقة الاتحاد العام على أية أنظمة داخلية للنقابات العمالية!!، وكأن تعديلات قانوني العمل والضمان وتعديلات الأنظمة الداخلية للاتحاد والنقابات قد خرجت من مشكاة واحدة.
غياب الرقابة والمحاسبة
من المتعارف عليه أن الهيئات العامة هي السلطة العليا في أي تنظيم مجتمعي كالجمعيات والنقابات والأحزاب ..الخ ، وتكمن قوة هذه الهيئات العامة من حقها في الاطلاع على التقارير المالية والادارية للنقابات بل ومناقشتها واقرارها بالاضافة الى حقها في حجب الثقة عن بعض أو جميع الهيئة الادارية ان هي رأت ذلك، ولكن المتتبع لحالة النقابات العمالية فإنك لن تجد اعلاناً نُشر لاجتماع هيئة عامة ولن تجد تقريراً ادارياً أو مالياً منشوراً لاتاحة المجال للعمال بالاطلاع عليها ومناقشته ومحاسبة الهيئة الادارية على تفاصيله، بل ان ما يتم تسرييبه من وثائق وصور شيكات لمياومات بعض القيادات النقابية - ان صحت - فإنه يُنبئ عن سوء ادارة واهدار لأموال العمال دون حسيب أو رقيب.
ان حالة الإحباط التي يعيشها العمال ناجمة من شعورهم بعدم جدوى وجودهم في النقابات العمالية فلا هم متاح لهم الاطلاع على هذه التقارير ولا هم يتم دعوتهم لاجتماعات الهيئات العامة ولا حتى يتم اشراكهم في أي حوار حول تعديل أنظمتهم الداخلية؛ فهم يراد لهم أن يبقوا بعيدين عن تفاصيل هذه النقابات ويتم "جلبهم" كل خمس سنوات لتجديد الدورة النقابية لنفس الأشخاص؛ وفي الآونة الأخيرة يبدو أن بعض القيادات النقابية استكثرت على العمال هذه الدور الديكوري فقررت اراحتهم فانتهجت تشكيل الهيئات الادارية بالتزكية ودون معرفة العمال.
قيادات هرمة ومحاولات للتوريث
ان بقاء القيادات النقابية على سدة قيادة النقابات العمالية دون وجود بصيص أمل من امكانية مغادرتها الا بتدخل ملك الموت!!؛ حيث يتم قوننة هذا الأمر من خلال تفصيل أنظمة داخلية تضع الحواجز من وصول الشباب والمرأة وتحصّن هذه المواقع لأشخاص محددين.
ان اقرار أنظمة داخلية تزيد من رسوم الترشح للانتخابات النقابية هو بمثابة التعبير عن عدم الرغبة بتوسيع دائرة المنافسة النقابية وتؤثر على العدالة وتكافؤ الفرص، وان أنظمة داخلية تشترط فيمن يترشح لمنصب رئيس اتحاد أن يكون قد تقلد رئاسة نقابة عمالية لدورة سابقة والتي مدتها خمس سنوات ولا تضع سقفاً لعدد المرات التي يمكن للشخص أن يترشح فيها لموقع رئاسة النقابة أو الاتحاد؛ فإن هذه الأنظمة تحصن استمرار نفس الأشخاص المحددين الذين لا تنطبق هذه الشروط الا عليهم؛ ناهيك عن سلب فئات كبيرة من المهندسين ومن ينتسبون لنقابات مهنية من حق الترشح للمواقع القيادية فيها!!
كل هذه الشروط والتعديلات بالاضافة الى انتهاج أسلوب تشكيل الهيئات الادارية بالتزكية دون اعلان في أي من المواقع الالكترونية للاتحاد والنقابات ومحاولة اسكات أي صوت ينتقد أو يعترض على هذه الاجراءات ومحاولة احاطة هؤلاء القيادات بأبنائهم وأنسبائهم والمتنفعيين الذين يدورون في كنفهم؛ كل ذلك من شأنه أن يوصل رسائل واضحة للجميع أن لا رغبة للتغيير ولا تقبُّل للتجديد!!
ما أريكم الا ما أرى
لعل أكثر ما يُمعن في حالة الاحباط التي يعيشها العمال عدا عن عدم تمكنهم من ممارسة دورهم الرقابي والمحاسبي؛ هو عدم رغبة القيادات بسماع حتى رأيهم المخالف واعتبار أي شخص يسأل عن بعض تفاصيل نقابته هو شخص مشكك وذو أجندات وجاحد للانجازات النقابية!!
ان حيوية المنظمات المجتمعية ومنها النقابات العمالية تقاس بمدى مساهمة الهيئات العامة بصنع القرارات واقرار السياسات فمتى اختفى الحوار الاجتماعي داخل أروقة النقابات العمالية كانت أشبه بمؤسسات عائلية تدار من قبل دوائر مغلقة ومحددة من الأشخاص الذين يتعاملون مع باقي العمال على أنهم قُصّر لا يجب السماح لهم بأخذ مساحة من ابداء الرأي حتى لا يزعجوا القيادات بكثرة أسئلتهم واستفساراتهم "وزنّهم " وربما يتطور الأمر ويطالب هؤلاء العمال بحقوقهم في قيادة نقاباتهم وتعديل أنظمتهم، فالحل دائماً بنظر بعض القيادات هو تهميش العمال وعدم استشارتهم ولا حتى اطلاعهم على مستجدات النقابات.
قد يتوهم بعض العمال أن اقدام بعض النقابات على تعيين مصمم جرافيك والتعاقد مع مستشار اعلامي لانتاج مواد اعلامية نقابية أنه يأتي لتطوير الأداء الاعلامي للنقابات نحو مزيداً من الشفافية والحق في الحصول على المعلومة ولكن الواقع للأسف غير ذلك؛ فالمواد التي يتم نشرها تتعلق -في معظمها- بنشاطات بعض القيادات كحضور مؤتمرات وورشات عمل ونشر بعض البيانات النقابية المؤيدة والمؤازرة للقرارات الحكومة، وتخلو هذه المواقع والمواد الاعلامية من أية اشارة لعقد مؤتمرات نقابية مثلاً أو اطلاق حوارات اجتماعية لتعديلات الأنظمة الداخلية أو حتى اعلان الانتخابات النقابية!!!
الأردن مش بخير لأنه النقابات مش بخير
من خلال ما تطرقنا اليه في السطور الماضية والذي يشكل فيضاً من غيض مما تعانيه النقابات العمالية فإن القارئ اذا ما حذفنا عبارة النقابات العمالية من النصوص ليظن أن الحديث عن الأردن بشموله وعمومه؛ وذلك كون هذه التحديات التي تعاني منها النقابات هي ذاتها التي يعاني منها الأردن والتي عبّر عنها النشطاء بوسم ( #الأردن_مش_بخير )، فالتشريعات القاصرة وتراجع الحريات وتكميم الأفواه وغياب الحوار وسوء الادارة المالية وتوارث المناصب القيادية وغياب المراقبة والمحاسبة؛ كل هذه الآفات من شأنها أن تجعل النقابات مش بخير كما أنها أيضاً تجعل الأردن مش بخير.
إرسال تعليق