التفرغ النقابي .. لحماية النقابيين أم لتنفيع المقربين

التفرغ النقابي .. لحماية النقابيين أم لتنفيع المقربين


الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" -  حاتم قطيش

18/12/2021

تكمن قدسية العمل النقابي كونه عملاً تطوعياً يُقبل عليه فئة من العمال والنقابين الذين تتوفر فهم صفات قيادية ودافع ذاتي لخدمة زملائهم ومتابعة كافة المستجدات والتحديات اليومية والسعي نحو تحسين بيئة العمل لتكون بيئة عمل لائقة كالمشاركة في الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية  والسعي الى تحسين التشريعات الناظمة للعمل النقابي وابرام عقود العمل الجماعية، فضلاً عن انشغالهم في وضع الخطط والبرامج وتنفيذها وزيادة الوعي النقابي لدى العمال ووضع البرامج الخاصة المتعلقة بتمكين المرأة والشباب في العمل النقابي وضمان الحاكمية الرشيدة داخل الهيكل النقابي، وفي حال كانت النقابة نشيطة وفعالة فإن أنشطة اضافية تضاف الى مهام النقابيين كالنشاطات الاجتماعية والثقافية والترفيهية..الخ .

ان المتتبع للواجبات المطلوب تنفيذها من النقابيين في سبيل تحقيق أهداف النقابة والعمل النقابي ليدرك أن هذا الحجم الكبير من الأعباء لا شك أنه سيتعارض في كثير من الأحيان مع الواجبات والمهام الوظيفية لهؤلاء العمال والنقابيين مما سيكون مبرراً لبعض أصحاب العمل لوضع العوائق أمام هؤلاء النقابيين من ممارسة مهامهم النقابية والتضييق عليهم بهدف أضعاف العمل النقابي .. من هنا جاءت فكرة ما يسمى بالتفرغ النقابي.


ما المقصود بالتفرغ النقابي


التفرغ النقابي هو أن يتفرغ عضو أو أكثر من أعضاء الهيئات الادارية للنقابات العمالية للقيام بالنشاط النقابي لتحقيق أهداف النقابة.

ويمكن للمفرغ نقابياً أن يتواجد بشكل مباشر في موقع العمل مع تخصيص الوقت والجهد في السعي إلى حل مشكلات العمل النقابي وقضاياه، مع مراعاة ألا يؤثر التفرغ للنشاط النقابي على الوضع المهني للعضو المتفرغ سواء من الناحية المالية أو المعنوية، فالنقابي المتفرغ يعتبرأثناء فترة التفرغ مؤدياً لعمله وليس منقطعاً عنه.


التفرغ النقابي في التشريعات الدولية والوطنية


اتفاقيات العمل الدولية 

يستند التفرغ النقابي على الاتفاقية 135 من اتفاقيات العمل الدولية بشأن ممثلي العمال والتي تنص على : " يتمتع ممثلو العمال في المؤسسات بحماية فعلية من أية تصرفات تضر بهم، بما فيها التسريح، وتتخذ بسبب وضعهم أو أنشطتهم كممثلين للعمال، أو عضويتهم النقابية، أو اشراكهم في أنشطة نقابية، شريطة أن يعملوا وفقاً للقوانين أو الاتفاقيات الجماعية القائمة أو وفقاً لترتيبات أخرى متفق عليها بصورة مشتركة".

ومن هنا كان الارتكاز على هذه الاتفاقية لوجوب وجود تسهيلات للنقابيين بهدف ممارسة مهامهم النقابية دون مضايقة، كما يمكن للنقابات العمالية وأصحاب العمل والحكومات وضع ترتيبات خاصة ومشتركة بهذا الخصوص ومن هذه الترتيبات يأتي التفرغ النقابي كأحد أهم الترتيبات التي تعفي النقابيين من المهام الوظيفية في مؤسساتهم وتفرغهم لمتابعة القضايا العمالية والنقابية.


اتفاقيات العمل العربية 

اما اتفاقيات العمل العربية فقد جاءت بشكل أكثر تفصيلاً وتحدثت بشكل مباشر عن التفرغ النقابي وذلك من خلال الاتفاقية رقم 8 لعام 1977 من اتفاقيات العمل العربية بشأن الحريات والحقوق النقابية حيث ألزمت المادة (15) من الاتفاقية الدول على أن تكفل تشريعاتها حرية ممارسة كل عضو لنشاطه النقابي دون تدخل من صاحب العمل أو أية جهة؛ كما تحدثت المادة (16) من نفس الاتفاقية على وجوب أن يكفل القانون التسهيلات اللازمة لأعضاء المجالس التنفيذية للتشكيلات النقابية لممارسة مهامهم خلال مواعيد العمل، سواء كانت هذه المهام في المنشأة أو خارجها.

أما المادة (17) من ذات الاتفاقية فقد تحدثت بشكل مباشر عن التفرغ النقابي حيث نصت على: " يكفل القانون للقادة النقابيين التفرغ لممارسة نشاطهم النقابي في كافة مستويات التشكيل، كما يكفل لهم أجورهم وكافة حقوقهم، بشرط أن يتم ذلك في حدود احتياجات النقابة".


قانون العمل 

لم يسهب قانون العمل في الحديث عن التفرغ النقابي ولم يضع له مواداً خاصة تؤطره وتنظمه وتوجهه بشكل يمنع استغلاله لتحقيق مصالح تعود على أفراد محددين وليس على النقابات والهياكل النقابية.

المادة (114) من قانون العمل تتحدث بشكل أساسي عن شروط الترشح للهيئات الادارية للنقابات العمالية وقد أوردت من ضمن شروط الترشح مصطلح التفرغ النقابي بشكل عام ومجمل دون تفصيل حيث نصت على : "لا يجوز ان ينتخب اي شخص عضواً في الهيئة الادارية لاي نقابة الا اذا كان عاملاً مسجلاً لديها او مستخدماً فيها طيلة الوقت على سبيل التفرغ ولا يجوز انتخاب اي شخص في الهيئة اذا كان قد صدر بحقه حكم قضائي في جريمة جنائية او في جريمة تمس الشرف والاداب العامة"، وعليه فإن قانون العمل لم يورد فصلاً خاصاً بالتفرغ النقابي ولم يخصص حتى مواداً خاصة لتفصيل وتحديد التفرغ النقابي؛ بل تركه مجملاً مبهماً بصيغة عامة تمكن بعض المتنفعين من امكانية ليّ عنق المواد القانونية بشكل يخدم مصالحهم الخاصة ولا يحقق الغاية الأساسية من التفرغ النقابي.


النظام الأساسي للاتحاد العام للنقابات العمالية 


تأتي الأنظمة بشكل عام كتشريع ناتج عن القوانين يفصلها ولا يتعارض معها؛ وعليه فإن المواضيع المهمة التي يشير اليها القانون بشكل مجمل يفترض أن يتم التفصيل فيها بشكل أكبر من خلال أنظمة أو تعليمات خاصة، أما فيما يتعلق بالتفرغ النقابي فقد ورد ذكره في قانون العمل بشكل عارض وكان المتوقع أن يتم التفصيل في تعريفه وشروطه وحدود وأحكامه بشكل أكبر اما بنظام خاص أو تعليمات خاصة تصدر لهذه الغاية، أوعلى أقل تقدير أن يتم تخصيص فصلاً خاصاً في النظام الأساسي للاتحاد لضبط كافة التفصيلات المتعلقة بالتفرغ النقابي.

ما ورد في النظام الأساسي للاتحاد العام للنقابات العمالية فيما يتعلق بالتفرغ النقابي يأتي مقتضباً في مادة واحدة هي المادة (21) من النظام حيث لم تتحدث عن التفرغ النقابي بحد ذاته بل تحدثت عن صلاحيات المكتب التنفيذي فيما يتعلق بإقرار التفرغ النقابي وانهاؤه والمكافآت الشهرية وبدل التنقلات للمفرغين!!! دون الخوض بتفصيلات التفرغ النقابي وتعليماته وضوابطه.

الممارسات المشوهة للتفرغ النقابي في الأردن

ان الفراغ في التشريعات الوطنية فيما يتعلق بالتفرغ النقابي والاكتفاء بالاشارة اليه بشكل عام وعدم وضع تعليمات مفصلة تضبطه؛ جعل من السهل حرفه عن مقصده الأساسي واستخدامه لتحقيق مصالح أشخاص محددين لا مصالح العمل النقابي.

ان المطلع على التشريعات الدولية والعربية وحتى الوطنية ليدرك أن التفرغ النقابي جاء لحماية النقابيين العاملين التابعين لأصحاب عمل من ممارسات تضييقية قد تمارس ضدهم لاشغالهم عن مهامهم النقابية والتأثير على قيامهم بواجباتهم، أما المطلع على واقع المفرغين نقابياً في النقابات العمالية الأردنية ليدرك أن الأشخاص المفرغين نقابياً لا ينطبق عليهم المبرر الرئيسي للتفرغ؛ فهم إما متقاعدين لا تربطهم بأصحاب العمل علاقة تعاقدية وتم استخدامهم في النقابات العمالية "على سبيل التفرغ" وإما مستخدمين في مبنى الاتحاد العام أوالنقابات العمالية تم استخدامهم على سبيل التفرغ أيضاً ليستوفوا شروط الترشح للهيئات الإدارية ويستحقوا مكافآت وبدل مواصلات يقررها لهم المكتب التنفيذي للاتحاد!!!

فبدلاً من استخدام التفرغ النقابي كدرع لحماية النقابيين من مضايقات أصحاب العمل، أصبح يستخدم كوسيلة لبقاء مجموعة من المتقاعدين غير العاملين أو بعض المستخدمين في مباني النقابات العمالية على سدة قيادة النقابات العمالية.

واذا ما علمنا أن الغالبية الساحقة من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام للنقابات العمالية هم مفرغين نقابياً بالرغم من كونهم غير عاملين في أي منشأة ولا تربطهم مع أي من أصحاب العمل علاقة تعاقدية، ثم وبحسب النظام الأساسي الذي يضعه هؤلاء الأشخاص كونهم يعتبرون "حكماً" أعضاءاً في المؤتمر العام فإن صلاحية اتخاذ قرار تفرغهم يقع ضمن مسؤوليات المكتب التنفيذي الذي يتشكل منهم أيضاً، يعني بعبارة أخرى فإن هؤلاء الأشخاص يجتمعون تحت مسمى "المؤتمر العام" يضعون أو يعدلون النظام الأساسي الذي يمنحهم صلاحيات اتخاذ قرارات التفرغ النقابي ثم يجتمع نفس الأشخاص تحت مسمى "المكتب التنفيذي" فيتخذون قرارات بالموافقة على التفرغ النقابي لأنفسهم ويقررون صرف المكافآت وبدل المواصلات لأنفسهم أيضاً!!!


 آراء الخبراء


يؤكد مدير بيت العمال والأمين العام الأسبق لوزارة العمل السيد حمادة أبو نجمة أن قانون العمل الأردني قد أوجب في المادة (107) منه بموجب القانون المعدل المؤقت رقم 26 لسنة 2010 والتي أكدت عليها تعديلات القانون المعدل رقم 14 لسنة 2019، أن تضع اللجنة الثلاثية الأسس والمعايير اللازمة لتمكين ممثلي نقابات العمال من القيام بمهامها بما في ذلك شروط تخفيض ساعات العمل أو تفرغهم للعمل النقابي وتوفير الإمكانات المادية اللازمة لهذه الغاية وذلك مع مراعاة إمكانات المؤسسة وعدد العاملين فيها، إلا أن اللجنة الثلاثية لم تصدر هذه الأسس لغاية الآن، وعليه فليس هناك من أي سند تشريعي ينظم عملية التفرغ النقابي وقواعدها وإجراءاتها.

وبحسب أبو نجمة فإن فكرة التفرغ النقابي في معايير العمل الدولية  تقوم على قاعدة ضمان تمتع ممثلو العمال بتسهيلات مناسبة في المؤسسات تمكنهم من أداء مهامهم بسرعة وفعالية، وأن يراعى في ذلك حجم المؤسسة وإمكانياتها، وأن لا يؤثر ذلك على سير العمل فيها، وأن يكونوا منتخبين من النقابات وأعضائها، وفي إطار إمكانية أن تحدد القوانين أو الإتفاقيات الجماعية أنواع الممثلين الذين يستحقون هذه الحمايات والتسهيلات. ومن الممكن أن تشتمل التسهيلات الممنوحة لممثلي العمال على منحهم ما يلزمهم من وقت مستقطع ضمن حدود معقولة لأداء مهامهم دون الإنتقاص من أجورهم وحقوقهم الأخرى، كحضور الإجتماعات النقابية والعامة والدورات التدريبية والمؤتمرات وأداء المهام المطلوبة منهم في إطار صلاحياتهم كنقابيين، وعليه فإن حق التفرغ النقابي ليس مطلقا بل يرتبط بشروط وقواعد يجب أن يتم تنظيمها بالتوافق بين أطراف العمل إما من خلال التشريع أو من خلال اتفاقيات جماعية، وبما يضمن مصالح جميع الأطراف وأن يكون في حدود متطلبات العمل النقابي واحتياجاته.

بدوره يؤكد أحمد عوض مدير مركز الفينيق للدراسات أن التفرغ النقابي يعتبر حقاً للنقابيين بحيث يمكنهم من تعيين أشخاص متخصصين منتخبين أو غير منتخبين للمارسة الأعمال النقابية وهذا يشترط ابتداءاً وجود ممارسات ديمقراطية داخل النقابات لتبتعد عن دائرة المنافع للاعضاء، حيث يجب أن تكون المنظمات النقابية تقوم على مبدأ الديمقراطية والانتخاب.

يضيف عوض أنه يتوجب أن تكون هناك معايير حوكمة داخل النقابات العمالية بحيث لا يكون المعينين ذوي قرابة من صاحب القرار، إذ لا يجوز أن تعود قرارات صاحب القرار في النقابات العمالية بالنفع المباشر على أقربائه بشكل مباشر؛ الأمر الذي يتعارض مع الحوكمة الرشيدة.


التفرغ النقابي الذي نريد


كما هي العادة في القضايا العمالية والنقابية فإن قصور التشريعات الوطنية الناظمة توفر البيئة الخصبة لمن تسول له نفسه ارتكاب هذه الانتهاكات؛ واذا ما أردنا تطبيق التفرغ النقابي بمفهومه الأساسي القائم على حماية النقابيين العاملين والمنتخبين الذي يتحملون أعباء الدفاع عن العمال فإنه يلزمنا تحسين وتجويد التشريعات الناظمة للعمل النقابي، ومن هنا تبرز الحاجة لتجديد المطالبة بوجود قانون خاص للعمل النقابي لا أن يكون ملحقاً بقانون العمل، ولحين تحقيق ذلك يمكن اضافة فصلاً خاصاً في قانون العمل يفصل موضوع التفرغ النقابي وتصدر بموجبه تعليمات خاصة تضع النقاط على الحروف وتحدد مجالات التفرغ النقابي والأشخاص المستحقين لهذا التفرغ وتؤصل للحوكمة الرشيدة بحيث لا يجوز أن يتخذ أشخاصاً قرار التفرغ النقابي لأنفسهم أو أقاربهم.


اقرأ أيضاً:


إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020