الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش
24/1/2021
نشرت احدى الصحف المحلية قبل عدة أيام مقالاً لأحد الكتاب يهاجم فيه العمال ونقاباتهم العمالية واصفاً اياهم بالاستقواء على الشركات!! مصوراً الشركات على أنها الحمل الوديع المستضعف العالق بين براثن الذئاب العمالية يستنجد بمن ينقذه من ظلم العمال وتسلطهم!!.
الكاتب المحترم في مقاله كمن يترنح بين الاعتراف بحقوق العمال -على مضض- تارة وبين ارضاء أصحاب العمل بوصفه للعمال والنقابات العمالية بأنها تستقوي على الشركات وعدم المنطقية في المطالب الحقوقية تارة أخرى، وقد نسي هذا المحترم أن مقاله بحد ذاته قد يأتي من باب الاستقواء على العمال ويمثل واقعاً مريراً من استضعاف العمال حتى باتوا لحماً مباحاً لكل ناهش وقرباناً مجانياً لكل متنفع يريد التقرب من رأس المال وابرام أو تجديد عقود استشارة مع أصحاب العمل.
ان حديث الكاتب عن خسارة الشركات يأتي من باب التلاعب بالمصطلحات؛ فما يعبر عنه أنه خسارة ما هو الا في معظم الأحيان تراجع طفيف في الأرباح، ولا شك أن المطالب العمالية في حالة ازدياد الأرباح يجب أن تكون مختلفة عن تلك في حالة تراجع هذه الأرباح فالغنم بالغرم، ولكن الحاصل أن بعض أصحاب العمل ومرتزقتهم من الكتاب المأجورين يصمتون عن ازدياد الأرباح ويملؤون الكون صراخاً ونحيباً ولطماً عند تراجعها، فهم لا يريدون للعمال مشاركتهم ازدياد الأرباح ثم يطالبونهم بتعويض التراجع بالأرباح من حقوقهم ومستحقاتهم .. تلك إذاً قسمة ضيزى.
ان من أكبر التحديات التي تواجه العمال هو قصور التشريعات الناظمة لسوق العمل كقانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي وترجيحها لكفة أصحاب العمل على حساب العمال ونقاباتهم وما تعديلات قانون العمل والضمان الأخيرة التي تمت في العام 2019 الا دليلاً صارخاً على هذا التطفيف في الكيل، ولا يزال العمال يناضلون من أجل تحسين هذه التشريعات مؤمنين أن ازدياد قوة الشركات فيه أمان وظيفي لهم وتحسين في ظروف العمل والأجور.
أيها الكاتب المحترم .. أما علمت أن من يقوم بتشريع القوانين الناظمة هم النواب والأعيان الذين هم في أغلبيتهم الساحقة أصحاب عمل وليسوا عمالاً، وأن من يقوم بتنفيذ القانون ويشرف على النزاعات العمالية هو وزير العمل الذي هو بالأصل صاحب عمل وليس عاملاً، وأن من يقوم بتمثيل العمال في المفاوضة الجماعية والنزاعات العمالية من رؤساء النقابات معظمهم أصحاب عمل وليسوا عمالاً؛ ثم تأتي أيها المحترم وتصف قانون العمل بأنه يهادن العمال لدرجة الخضوع!!!!
ومع كل ذلك فإن ما ندعو اليه دائماً هو التوقف عن طرح القضايا العمالية بصيغة الحرب بين قوة النفوذ والمال وقوة العمال والطبقية المقيتة والتناحر والعداء؛ بل يجب استبدال هذه اللغة بالتشاركية والتعاون والحوار والمساهمة في تنمية الوطن؛ فطرفي الانتاج ( أصحاب العمل والعمال ) علاقتهم تكاملية ولا وجود لأحدهم دون الآخر ولا أعلم ما هي مصلحة من يرغبون بتأجيج الصراع بينهم!!، ولعل الكاتب المحترم يدرك أن الخاسر الأكبر في كل هذا الصراع هو الوطن؛ فإن نحن منحنا العمال امتيازات لا طاقة لصاحب العمل بها فسنتسبب بتهجير رأس المال ويخسر الوطن، وان نحن قدمنا التسهيلات لصاحب العمل على حساب سحق العمال فسنعبث بالأمن المجتمع والنسيج الوطني ونزيد من أرقام الفقر والبطالة وربما الجريمة وسيخسر الوطن، فالحكيم الأريب من يدفع باتجاه التوازن في علاقات العمل ليخرج الجميع فائزين غير خاسرين.
إن جُل مطالب العمال اليوم تأتي تحت مظلة الحقوق المسلوبة وليس المكتسبات الجديدة ويناضل العمال وهم على أعتاب المئوية الثانية للمطالبة بحقهم في حرية التنظيم النقابي من خلال الحق في تشكيل والانضمام للنقابات العمالية والحق في المفاوضة الجماعية ويطالبون أيها الكاتب الكبير بحقهم في وضع وتعديل دساتير نقاباتهم؛ بل ويطالبون بحقهم في اختيار ممثليهم ورؤساء نقاباتهم، ثم يأتي كاتب كبير يتعاقد مع أصحاب العمل كمستشار ويصف العمال بأنهم يستقوون على الشركات!!.
هل تعلم أيها الكاتب أن لدينا في الأردن 52 نقابة أصحاب عمل بالمقابل لدينا 17 نقابة عمالية لم تزد واحدة منذ سبعينيات القرن الماضي!!، وهل تعلم أن عقد العمل الجماعي قد زادت مدته في آخر تعديل لقانون العمل ليصبح كل ثلاث سنوات وليس كل سنة أو سنتين كما أوردت في مقالك، وهل تعلم أن الوزير يمتلك حق حل الهيئات الادارية للنقابات العمالية بقرار وليس حكماً قضائياً، وهل تعلم أن تعديلات قانون العمل اشترطت مصادقة وزارة العمل على أنظمة النقابات العمالية في مخالفة واضحة لحرية التنظيم النقابي، وهل تعلم أن تعديلات قانون العمل قد حصرت حق المفاوضة الجماعية بالنقابة العامة وحرمت العمال من ممارسة هذا التفاوض، وهل تعلم أن عمال الزراعة ليس عندهم نقابة عمالية ويحاول البعض الحاقهم في نقابة الصناعات الغذائية!! نعم الصناعات الغذائية .. تخيل، هل تعلم أن عمال الكهرباء خرجوا للشارع عدة مرات ولجؤوا لمجلس النواب عدة مرات فقط للمطالبة بحقهم في اعلان انتخاب نقابتهم وتوقف المتقاعدين عن التفاوض باسمهم، وهل تعلم أن ما يزيد عن مائة نقابي ترشح لانتخابات نقابة المناجم والتعدين قد لجؤوا للقضاء بسبب الغبن الذي تعرضوا له في اجراءات الانتخابات في النقابة.. نعم هؤلاء هم العمال الذي يمارسون الاستقواء والابتزاز حسب رأيك.
إرسال تعليق