النقباء في النار

النقباء في النار


الراصد النقابي لعمال الأردن "رنان" - حاتم قطيش

16/1/2022

لا شك أن الإسلام العظيم قد حثنا على عمل الخير وجعل من الفضل الكثير لمن يتقدم لمساعدة الناس واعانتهم بل فضّل هؤلاء عن بقية الناس بقول الرسول صلى الله عليه وسلم " خير الناس عند الله أنفعهم للناس"، ومن الأدعية المحببة والتي وردت في القرآن الكريم " واجعلنا للمتقين إماماً"؛ فجعل بذلك ضرورة عدم اكتفاء الانسان أن يكون صالحاً في ذاته ساعياً على الخير لنفسه فحببه في أن يسعى الى الخير لغيره بل وأن يكون قدوة لهم في عمل الخير.

ولما كان صلاح الشخص وانتظام شؤونه لا ينعكس بالضرورة على المجتمع بأكمله؛ كان انتظام الحياة وصلاح شؤون المجتمع ثمرة للعمل الجماعي الذي يستلزم تضافراً في الجهود وتقدُّم - أو تقديم- أشخاص ليقودوا الناس في هذا الخير ويسعون على قضاء حوائجهم لذلك جعل لهم الأجر العظيم والثواب الجزيل.

ويطلق على من يتم انتدابه للسعي على حوائج الناس وتدبير أمورهم بالعريف أو النقيب نظراً لمعرفته بحوائج الناس وما يصلح شأنهم؛ ولكون الناس - في عمومهم- منشغلون بأنفسهم فهم يكتفون بتوكيل هؤلاء الأشخاص لمتابعة حوائجهم والسعي لها، وبذلك تكون مظنة أن يحرّف هؤلاء الأشخاص تلك المهام وقدسيتها وفضلها ويحولوها وسائل للتقدم على الناس والتنفع بها.

إن هذه النوعية من المهام تصنف على أنها تكليفية تحمل الكثير من المشقات ومن الطبيعي أن يبتعد الناس عنها، ولكن الطبيعة البشرية التي جبلت على حب الرئاسة لذلك قيل " آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة " ، ولمّا كانت هذه المناصب " النقابة والعرافة " فيها من المسؤولية والظهور على الناس وتنطوي على مظاهر الرئاسة أقدم عليها العديد من ذوي النفوس الضعيفة الذي لا يأبهون بحوائج غيرهم ولا يكترثون لأمورهم وانما وجدوا في هذه المناصب اشباعاً لحب الظهور والرئاسة في داخلهم وقد تعود عليهم بالنفع المادي؛ فبدلاً من التضحية بالجهد والوقت والمال في سبيل قضاء حوائج الناس؛ يستغل هؤلاء ليستحلوا أموال الناس ويتنفعوا بها هم وعائلاتهم والمقربين منهم ومن يدورون في فلكهم.

وقد أدرك الرسول صلى الله عليه وسلم طبيعة النفس البشرية وامكانية استغلال هذه المناصب التكليفية وتحويلها الى مناصب تشريفية واضاعة حقوق الناس وحوائجهم فحذرنا من سوء استخدامها وتضييع الأمانة فيها بقوله " لا بد من العريف والعريف في النار "؛ وبذلك أقر عليه السلام ضرورة هذه المهام في المجتمع لاستقامة أمور الناس ولكنه حذر من عدم القيام بواجبها فكانت الصيغة عامة " العريف في النار" لأن حب الاستبداد يسود معظمهم فيقع منهم ظلم لمن تولوا أمورهم، وكذا النقباء الذين يتولون أمور العمال ولا يكونون مستأمنين على حقوقهم وحوائجهم وأموالهم فهم بذلك كالعرفاء الذين خانوا الأمانة وضيعوها.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020