اتفاقيات العمل الجماعية .. بين الإذعان وقوة العمال

اتفاقيات العمل الجماعية .. بين الإذعان وقوة العمال


حاتم قطيش -  رنان 

10/3/2022


اتفاقيات العمل الجماعية هي اتفاقيات تتعلق بتحسين ظروف العمل وتكون بين ممثلي العمال أو النقابات العمالية من جهة وممثلي أصحاب العمل أو نقابات أصحاب العمل من جهة أخرى، حيث تحمل النقابات العمالية على كاهلها متابعة أمور العمال ومعرفة ظروف عملهم بدقة والمعرفة التامة بالتشريعات المحلية والدولية بالاضافة الى مهارات التفاوض لتتمكن من تحقيق المطالب العمالية التي من شأنها تحسين ظروف عملهم وزيادة انتاجيتهم ليخرج جميع أطراف الانتاج ( العمال وأصحاب العمل ) رابحين جراء عملية المفاوضة الجماعية وابرام الاتفاقيات الجماعية.


اتفاقيات العمل الجماعية والمفاوضة الجماعية


عند الحديث عن الاتفاقيات العمالية يفترض أن تكون هذه الاتفاقيات هي ثمرة ونتاج حوار اجتماعي بين الاطراف أو ما يصطلح عليه بالمفاوضة الجماعية، وقد كفلت الاتفاقيات الدولية حق المفاوضة الجماعية للعمال وحظرت المساس به بل وأجبت على الدول اتخاذ التدابير لضمان حرية المفاوضة الجماعية وعدم المساس بها، حيث كفلت اتفاقية العمل الدولية 98 حق التنظيم والمفاوضة الجماعية وشكلت حماية لحق العمال وأصحاب العمل في التنظيم وحثت على تشجيع المفاوضة الجماعية الطوعية من خلال تدابير تتوافق مع الأوضاع الوطنية.

أما اتفاقية العمل الدولية رقم 87 والمتعلقة بالحرية النقابية وحماية حق التنظيم فقد أوجبت اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحرية العمل النقابي والتنظيم النقابي دون الرجوع الى القوانين المحلية وانما الاكتفاء فقط بإشعار الحكومة، كما نصت على امكانية تعدد النقابات والاتحادات داخل نفس المنشأة والبلد مما يوفر سبلاً اضافية للمفاوضة الجماعية.

بدورها تحدثت اتفاقية العمل الدولية رقم 154 عن اتخاذ التدابير الوطنية لتشجيع المفاوضة الجماعية بين جميع الأطراف.

أما اتفاقية العمل العربية رقم 11 لعام 1979 فقد نصت صراحة على حق العمال والمنظمات العمالية في المفاوضة الجماعية دون تدخل من أي جهة كانت، بل واشترطت ان لا تتعارض التشريعات الوطنية للدول فيما يتعلق بالمفاوضة الجماعية مع حرية المفاوضة الجماعية المكفولة ضمن الاتفاقية.


النزاع العمالي وعقود العمل الجماعية


اعتمد قانون العمل الأردني مصطلح ( عقود العمل الجماعية ) في وصف الاتفاقيات الجماعية المبرمة بين العمال وأصحاب العمل، وقد عرف قانون العمل الأردني عقد العمل الجماعي بأنه اتفاق خطي تنظم بمقتضاه شروط العمل بين صاحب العمل أو نقابة أصحاب العمل والنقابة من جهة أخرى.

وقد أولى قانون العمل الأردني أهمية بالغة لعقود العمل الجماعية فأفرد لها فصلاً كاملاً تحدث فيه عن تنظيم عقد العمل ومدته وكيفية تجديده ومحتويات العقد والفئات الملزمة بعقد العمل الجماعي وكيف يمكن توسيع نطاقهه وما هي تعليمات تسجيل عقود العمل الجماعية.

وقد تحدث قانون العمل الأردني عن ما يسمى بالنزاع العمالي معرفاً اياه على أنه كل خلاف ينشأ بين النقابة من جهة وبين صاحب عمل او نقابة أصحاب عمل من جهة أخرى حـــــول تطبيق عقد عمل جماعي أو تفسيره او يتعـلــق بظــــــــروف وشروط العمل وفي هذه المرحلة قد يلجا الطرفين إلى المفاوضة الجماعية كحل لذلك الخلاف.

وقد حدد قانون العمل الأردني مراحل تسوية النزاعات العمالية بالمفاوضة المباشرة ثم مرحلة مندوب التوفيق وتدخل وزير العمل ثم مرحلة مجلس التوفيق ثم المحكمة العمالية، كما فصل لكل مرحلة مدتها وامكانية انهاء النزاع العمالي خلالها بطريقة المفاوضة للتوصل الى ابرام عقد عمل جماعي.

الا ان قانون العمل الأردني وفي آخر تعديلاته ( تعديلات 2019 ) قلص من امكانية ممارسة العمال لحقهم في المفاوضة الجماعية والدخول في نزاع عمالي جماعي وابرام عقد عمل جماعي؛ حيث اشترط أن تكون النقابة العمالية المنضوية تحت الاتحاد العام للنقابات العمالية طرفاً في أي مفاوضة أو نزاع أو عقد عمل جماعي، وبذلك تم حرمان الشريحة الأكبر من العمال غير المنضوين تحت مظلة هذه النقابات من ممارسة حقهم في المفاوضة الجماعية أو اللجوء لوزارة العمل لفتح نزاع عمالي أو ابرام عقد عمل جماعي!!


 الإذعان وعقود العمل الجماعية


هوأحد أشكال العقود الحديثة والذي يقبل فيه أحد طرفي العقد كامل شروط وبنود العقد دون أن يكون له الحق في تعديلها أو الإضافة عليها وليس له غير الخضوع الكامل لإرادة الطرف الثاني.
وهذا الشكل من العقود منتشر في سوق العمل بما يسمى العقود الفردية والتي يتم ابرامها بين عامل وصاحب العمل؛ حيث يقوم صاحب العمل بصياغة وطباعة ووضع كافة بنود العقد دون أن يكون للعامل حق التعديل فيه نظراً لأن العقود الفردية تخضع للعرض والطلب وارتفاع نسب البطالة فيضطر العامل الى الخضوع لكافة شروط صاحب العمل.

فيما يتعلق بعقود العمل الجماعية فلم تكن يوماً تندرج تحت ما يعرف بعقود الإذعان كون النقابات العمالية تقوم بالضغط على صاحب العمل بالوسائل القانونية المتاحة لها كالإضراب مما يضطر صاحب العمل الى التفاوض مع العمال وابرام عقد يحقق فيه مطالبهم، الا أن هناك رغبة لدى أصحاب العمل من انتهاج أسلوب عقود الإذعان في عقود العمل الجماعية؛ فأصبح صاحب العمل يصيغ العقد بشروط مجحفة ويطلب من ممثلي العمل التوقيع عليها كما هي، وهو ما يعد نتيجة طبيعية لقوة أصحاب العمل على حساب ضعف وتراجع النقابات العمالية.


قوة العمال وانحياز قانون العمل  

ان أطراف النزاعات العمالية ( العمال وأصحاب العمل )  يمارسون فعلياً حرباً باردة يحاول فيها أصحاب العمل الضغط على العمال بعدم الجلوس والتفاوض معهم وايقاف رواتبهم أو حتى اصدار عقوبات بحقهم ان هم مارسوا توقفاً عن العمل أو اضراباً، بالمقابل يمارس العمال ضغطهم على أصحاب العمل بالتوقف الجزئي أو الكلي عن العمل وايقاف عجلة الانتاج وبالتالي تكبيد صاحب العمل الممتنع عن انصاف العمل خسائر قد تفوق المبالغ التي يمكن أن يمنحها للعمال في حال توصل لعقد عمل جماعي.

ان الميزان الأساسي وضابط ايقاع هذه الحرب الباردة يجب أن يكون بالتشريعات الناظمة التي تحكم كل هذه العملية فكلما كانت هذه التشريعات عادلة وحيادية وغير منحازة تتعزز عندها قوة العمال، ولكن وفي ظل قصور هذه التشريعات وانحيازها لرأس المال نجد أن العديد من مواد قانون العمل انما هي تكبل يد ممثلي العمل وتضعف قوة النقابات العمالية مما ينعكس على أدائها في ادارة النزاعات العمالية من مفاوضة جماعية أو اضراب عن العمل.

للأسف العديد من النقابيين يروجون دائماً لعمالهم أن الدور الأساسي والجوهري للنقابات العمالية هو السعي نحو اتفاقيات عمالية جماعية وان الانشغال في تعديل التشريعات الناظمة وعلى رأسها قانون العمل يأتي من نافلة العمل فنجد أن موقف النقابات العمالية في الاعتراض على تعديلات قانون العمل المجحفة هو موقف خجول وذا صوت منخفض وخافت بالرغم من كونهم هم الطرف الأساسي المتضرر من هذه التعديلات.

ان سعي النقابات العمالية لتحصيل زيادة على رواتب العمال هو أمر محمود ومطلوب ولكنه لا يبرر بالمطلق انشغال النقابات عن المطالبة الجادة بتعديل قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي، لذلك نجد أن العديد من النقابات العمالية قد مارست حقها في اعلان التوقف عن العمل أو الاضراب بسبب تعنت أصحاب العمل عن منح العمال حقوقهم، ولكن في ذات الوقت لم نرى من هذه النقابات العمالية أي دعوة للاعتراض أو الاحتشاد أو الوقفات الاحتجاجية اعتراضاً على تعديلات القوانين وتكتفي "أحياناً" بإصدار بيان خجول لا يتعدى كونه اجراءً بروتوكولياً.


نقابات عمالية قوية .. عقود جماعية عادلة


ان تراجع تحصيل الحقوق العمالية وركاكة بعض عقود العمل الجماعية انما هو نتيجة حتمية لضعف النقابات العمالية، فنقابات عمالية ضعيفة يعني ممثلين عماليين ضعفاء وعدم استثمار قوة العمال واهدار طاقاتهم، كما يعني أداءاً تفاوضياً ضعيفاً يتمخض عنه عقود اذعان جماعية.

ان اتفقنا ان النقابات العمالية في حال لا يسر ولا تعبر عن الواقع العمالي في ظل سيطرة طغمة من المتقاعدين عليها؛ فإن الكرة في ملعب العمال أنفسهم ان هم أرادوا استرداد قوة نقاباتهم فليؤمنوا بأنفسهم وينتزعوا نقاباتهم ليتمكنوا من تحسين التشريعات الناظمة واستثمار قوة العمال واجراء مفاوضات جادة ينتج عنها عقود عمل جماعية عادلة.


اقرأ أيضاً:



إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020