التغير المُناخي ودور النقابات العمالية في التحول العادل لمستقبل العمل

التغير المُناخي ودور النقابات العمالية في التحول العادل لمستقبل العمل


حاتم قطيش - رنان 
14/2/2022

ما المقصود بالتغير المُناخي ؟!


التغير المُناخي هو مصطلح يستخدم للاشارة  للتغيرات المصاحبة لارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب النشاط الصناعي الذي ينتج عنه عوادم وغازات  ومخلفات تساهم في رفع دراجة حرارة الأرض.

التغير المناخي والتنمية المستدامة 


في العام 2015، اعتمد رؤساء دول وحكومات 193 دولة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة عهداً انمائياً عالمياً جديداً بعنوان " تحويل عالمنا : خطة التنمية المستدامة لعام 2030" وقد دخل حيز التنفيذ في الأول من كانون الثاني / يناير 2016، حيث من المأمول أن يتم من خلالها تحقيق التوازن بين أبعاد التنمية المستدامة الثلاثة  (الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ) وهي تتعهد بألا يخلف الركب أحداً وراءه.

ومن المجالات الأساسية التي ستحفز الأهداف والغايات خلال السنوات القادمة هوالتصميم  على حماية كوكب الأرض من التدهور، بطرق منها توخي الاستدامة في أنماط الاستهلاك والإنتاج، وإدارة موارد الكوكب الطبيعية على نحو مستدام، واتخاذ إجراءات عاجلة بشأن تغير المناخ، كي يتمكن الكوكب من دعم احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة.

وقد تم تخصيص الهدف (13) من أهداف التنمية المستدامة والذي يتعلق  باتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره، حيث يسعى الى معالجة أحد التحديات المعاصرة التي تهدد بتقويض جهود التنمية ووجودنا البشري بحد ذاته، الا وهو تغير المناخ، ويدعو هذا الهدف الى اتخاذ اجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ وآثاره، ويشير إطار أهداف التنمية المستدامة الى تفاصيل الإجراءات الواجب اتخاذها بهذا الصدد وذلك بالاستناد الى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وهي تشكل المنتدى الدولي والحكومي الدولي الرئيسي للتفاوض حول الاستجابة العالمية لتغير المناخ.
إن من شأن اقتصاد أكثر ملاءمة للبيئة أن يفضي إلى مكاسب صافية تصل إلى ٦٠ مليون وظيفة، وتتمشى هذه الاستنتاجات مع فرضية الربح المزدوج، التي تفيد أنه يمكن للتدابير السياسية أن تحقق منافع اقتصادية (لا سيما مكاسب في العمالة) وتحسينات بيئية في الوقت نفسه،  واستحداث المزيد من فرص العمل في اقتصاد أكثر ملاءمة للبيئة في مجال إنتاج سلع وخدمات خضراء.

تغير المُناخ والوظائف

يمكن تخيل مقدار انعكاس التغير المُناخي على الوظائف في العالم اذا ما علمنا أن 40% من الوظائف في العالم تعتمد على الخدمات التي تقدمها البيئة، حيث من المتوقع فقدان ما يقارب 72 مليون وظيفة من الوظائف بدوام كامل في عام 2030 بسبب الإجهاد الحراري.
حيث ستكون البلدان ذات الدخل المنخفض و النساء والفقراء والعمال المهاجرين والشباب ذوي الإعاقة والشعوب الأصلية والقبلية وغيرها من الفئات السكانية الضعيفة معرضة بشكل خاص لمخاطر وأضرار التدهور البيئي.

تغير المناخ والوظائف



ان ما يقارب ال 50% من الوظائف التي ستتأثر في التغير المُناخي هي من الوظائف الحرفية وهذا يعني أن للتكنولوجيا تأثير كبير جداً على تأثير التغير المُناخي في سوق العمل:

1- الفنيين : أي المهندسين والمعماريين والمصممين : تشكل 30% من هذه الوظائف التي ستتأثر في التغير المناخي.
2- عمال البناء: أي الحرفيين وفنيي البناء، وتشكل 17% من الوظائف التي ستتأثر في التغير المناخي
3- الوظائف غير التقنية : مديري المشاريع في مجال المشروع البيئي
4- 1% فقط من الوظائف التي تم تحليلها هم موظفوا المشتريات بما في ذلك الخدمات اللوجستية.


البيئة والعمل اللائق والوظائف الخضراء


خلصت لجنة التنمية المستدامة في مؤتمر العمل الدولي الى : "إن زيادة الوعي بتخضر الاقتصاد يقدم العديد من الفرص لتحقيق الأهداف الاجتماعية: فهو يمكن أن يتحول إلى محرك للنمو في البلدان المتطورة والنامية على السواء، وأن يصبح مولداً خالصاً لوظائف خضراء لائقة تستطيع المساهمة بشكل كبير في استئصال الفقر وتحقيق المشاركة الاجتماعية".

حيث يمكن - على سبيل المثال-  خلق ما يقارب  18 مليون وظيفة  من خلال تحقيق الاستدامة في قطاع الطاقة، كما يمكن خلق 3 ملايين وظيفة من خلال تبني اقتصاد دائري.

وقد خلُص مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (2012) الى  ضرورة أن يسهم الاقتصاد الأخضر في القضاء على الفقر وفي تحقيق النموالاقتصادي المطرد وتعزيز الإدماج الاجتماعي وتحسين أحوال البشر وخلق فرص العمل وتوفير العمل اللائق للجميع،  والحرص في الوقت ذاته على استمرار النظم الإيكولوجية لكوكب الأرض في أداء وظائفها على نحو سليم.

البيئة والعمل اللائق


ان المؤشرات توحي أن أشكال العمل الجديدة تأخذ بالاتساع والازدياد فقد تم استحداث 4200 وظيفة في مجال تغير المناخ في العام 2017، وارتفع العدد الى 7000 وظيفة في العام 2019، كما أن عدد الشركات التي تبحث عن مهارات تتعلق بهذا المجال قد ارتفع الى 40%.
أما فيما يتعلق بالوظائف الخضراء فهي أي وظيفة لائقة تسهم في الحفاظ على نوعية البيئة أو استرجاعها، سواء في الزراعة أو الصناعة أو الخدمات أو الإدارة؛ وهذه الوظائف، من الناحية العملية تعمل على تخفض استهلاك الطاقة والمواد الخام،  وتحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وتقلل النفايات والتلوث، وتحمي النظم الإيكولوجية وتسترجعها، وتمكِّن المنشآت والمجتمعات المحلية من التكيف مع تغير المناخ.
ومن هنا يجب التركيزعلى أن الوظائف يجب أن لا تكون خضراء فحسب؛ وإنما خضراء ومستدامة أيضاً.

الوظائف الخضراء
البلدان التي يوجد فيها برنامج الوظائف الخضراء



التغير المُناخي ومستقبل العمل


ان آثار التغير المُناخي المتمثل بارتفاع درجة الحرارة ستفضي بشكل مباشر الى ازدياد على ساعات العمل وبالتالي فقد للوظائف بسبب عدم القدرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، وبحسب منظمة العمل الدولية فإن ارتفاع الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية (سيلسيوس) سينتج عنه ارتفاع ساعات العمل الضائعة بسبب الاجهاد الحراري  في العام 2030 في الدول العربية بما نسبته 0.8% ، وما نسبته 2% في العالم ككل.




التحول العادل ودور النقابات العمالية 



الانتقال العادل Just Transition هو إطار جرى تطويره بواسطة الحركة النقابية ليشمل مجموعة من التدخلات الاجتماعية اللازمة لتأمين حقوق العمال وسبل عيشهم عندما تتحول الاقتصادات إلى الإنتاج المستدام، وفي المقام الأول مكافحة تغير المُناخ وحماية التنوع البيولوجي. وقد جرى التصديق عليه دوليًا من قِبل الحكومات في مختلف المجالات، بما في ذلك منظمة العمل الدولية (ILO)، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في اتفاقية باريس، ومؤتمر كاتوفيتشي للمناخ (COP24) والاتحاد الأوروبي.





التخفيف والتكيف 


منذ قمة الأرض عام 1992، بدأ العالم بالاعتراف بحقيقة وأهمية قضية تغيّر المُناخ، وبات العمل الدولي التعاوني هو ما يُطمح للوصول اليه. مع زيادة زخم الأبحاث العلمية والرصد والمتابعة والتقييم، بات جلياً للجميع أن هناك مسؤولية تاريخية تقع على كاهل من تضخمت ثرواتهم نتيجة الثورة الصناعية، وأصبح السؤال الأساسي هو: على من تقع المسؤولية الأخلاقية؟
بدأت الأطراف بالدعوة للتنظيم وإيجاد آليات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة من أجل العمل بشكل متّزن وفعّال، بحيث يُقسّم هذا العمل بين التخفيف من الأسباب المؤدية لتغيّر المُناخ أي تقليل الانبعاثات بكل الطرق الممكنة من جهة، والتكيف مع تبعاته من جهة اخرى، حيث يكون حشد الأموال اللازمة للمواجهة والحد والتكيف مع كل مظاهر التغيرات المُناخية على رأس أولويات الجهود المبذولة.

دور النقابات العمالية 


الأهداف المُناخية واتفاقيات تغير المناخ العالمية تضع معايير لاقتصاد نظيف؛ في هذه العملية، يجب إعادة هيكلة قطاعات مثل الطاقة والتصنيع والزراعة والغابات، التي توظف ملايين العمال. هناك قلق من أن فترات التغيير الهيكلي الاقتصادي في الماضي تركت العمال العاديين وأسرهم ومجتمعاتهم يتحملون تكاليف الانتقال إلى طرق جديدة لإنتاج الثروة، مما أدى إلى البطالة والفقر والاستبعاد للطبقة العاملة، على عكس أصحاب الأعمال القادرين على تحمل تكاليف الانتقال.

يعالج الانتقال العادل هذا القلق من خلال تعزيز الإجراءات المستدامة التي تساعد العمال. يعني توحيد العدالة الاجتماعية والمناخية عن طريق الانتقال العادل والامتثال لمطالب عمال الفحم في المناطق النامية المعتمدة على الفحم والذين يفتقرون إلى فرص العمل خارج الفحم ، و
العدالة للعمال في الاقتصادات الناشئة التي تطالب بحصتها من "عائد التصنيع".

بالنسبة للنقابات العمالية، يصف مصطلح التحول العادل أو "الانتقال العادل" الانتقال نحو اقتصاد مرن للمناخ ومنخفض الكربون يزيد من فوائد العمل المناخي مع تقليل المصاعب التي يواجهها العمال ومجتمعاتهم، والحث على استثمارات سليمة في القطاعات والتقنيات منخفضة الانبعاثات والغنية بفرص العمل؛  يجب القيام بهذه الاستثمارات من خلال التشاور الواجب مع جميع المتأثرين، مع احترام حقوق الإنسان والعمل، ومبادئ العمل اللائق، كما يمكن العمل على تكيف العمال وأصحاب العمل مع التغير المناخي من حيث تغيير منهجية العمل ( تصبح أوقات العمل في فترتين -على سبيل المثال-، صباحية ومسائية).

ويقع على عاتق النقابات العمالية اتخاذ اجراءات وتدابير خاصة في سبيل التقليل من آثار التغير المُناخي وضمان انتقال عادل وآمن للعمال لأشكال العمل الجديدة في مستقبل العمل، ومن هذه التدابير والاجراءات:

- تدعيم أعضاء النقابات العمالية وتثقيفهم وتحمل مسؤولياتهم
- الضغط على الحكومات بالالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية البيئة والمناخ
- السعي والضغط باتجاه التخفيف من آثار التغير المناخي.
- السعي في جعل الأولوية للطاقة المتجددة.
- الدعوة الى التشجيع في الاستثمار في مجال البنى التحتية والمواصلات الأقل ضرراً للبيئة.
- السعي نحو حملة تضامن عالمية لحماية البيئة من اضرار التغير المناخي.

كما يقع على عاتق النقابات العمالية الضغط على الدول والحكومات للقيام بدورها في هذا المجال من خلال حثها على :

- التكيف وتشجيع نموذجاً تنموياً يضمن سياسات محددة لحماية البيئة.
- تنفيذ أهداف خفض الانبعاثات الحرارية.
- تطوير الطاقات المتجددة.
- اطلاق برامج وسياسات وطنية لبناء القدرات على مواجهة اثار التغيير المناخي.
- توفير الحماية الاجتماعية للعمال عند الانتقال الى الاقتصاد النظيف.
- ضمان سياسات تكوين مهني تتلائم مع الوظائف الجديدة التي خلقتها السياسات المناخية.
- ادماج التربية البيئية في جميع مستويات التعليم الوطني.
- الاهتمام بالتوعية الاعلامية البيئية.


اقرأ أيضاً:



إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020