حاتم قطيش - رنان
24/2/2022
ان من أبسط حقوق الإنسان هو حق اختيار و انشاء أو الإنضمام للنقابات العمالية دون اكراه أو اجبار، يساهم بوضع أنظمتها الداخلية بحرية ويمارس دوره القيادي تارة والرقابي تارة أخرى بحرية أيضاً، فالنقابات العمالية انما أتت نتاج ثورة العمال على الظلم والاستبداد والتهميش واستئثار فئة قليلة من الناس ذات نفوذ مادي واجتماعي باتخاذ قرارات واقرار سياسات يدفع ثمنها العمال البسطاء؛ فكانت الثورة وكانت انطلاقة النقابات العمالية لتكون منبراً حراً يتمرس ويمارس فيه العمال حقهم في قول كلمتهم بحرية ودون قمعهم بسبب آرائهم ومواقفهم، وان المتمحص في نصوص التشريعات الدولية والوطنية ليدرك أن المشرع تعامل مع الكيانات النقابية أو النقابات العمالية على أساس شخصيتها الاعتبارية المستقلة التي لا تنتظر ترخيصاً من أحد ولا تخضع لاملاءات الغير وتعتبر عصية على التدخلات والاملاءات؛ انما من يملك الحق في تكوين طبيعة هذه الشخصية وصيانة حريتها والحفاظ عليها هم أعضاء النقابات ومنتسبيها وعليه وجب أن تكون لكل نقابة عمالية شخصية اعتبارية مستقلة تتشكل ملامحها عن طريق أعضاءها من خلال وضع دساتيرها بحرية واستقلالية.
وعليه فإن الشخصية الاعتبارية للنقابات العمالية تتكون من مجموعة من العمال والأموال يتوفر لها كيان نقابي مستقل يمكن له بموجب الشخصية الاعتبارية ممارسة حق التملك والتقاضي والتفاوض وابرام العقود وذلك وفقاً للتشريعات الناظمة.
الاتفاقيات والمواثيق الدولية ترسخ للحريات النقابية
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
نص الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في أكثر من مادة الى حق الأشخاص في انشاء وتكوين الكيانات النقابية وواجب الدول على كفل هذا الحق وحمايته وزالة القيود أمام ممارسة هذه النقابات نشاطها بحرية، ومن هذه المواد:
- المادة (20) : " لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، ولا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما".
- المادة (23) فقرة 4 : "لكل شخص حق إنشاء النقابات مع آخرين والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه".
العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
- المادة (8) :
فقرة (أ): "حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفى الانضمام إلى النقابة التي يختارها، دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية، على قصد تعزيز مصالحه
الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها. ولا يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لأية قيود غير
تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة
الأمن القومي أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم"
فقرة (ب) : حق النقابات في إنشاء اتحادات أو اتحادات أخلاقية قومية، وحق هذه الاتحادات في تكوين منظمات نقابية دولية أو الانضمام إليها.
فقرة (ج): حق النقابات في ممارسة نشاطها بحرية، دونما قيود غير تلك التي ينص عليها القانون، وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي؛ لصيانة الأمن القومي،أو النظام العام أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87
بالاضافة الى كون هذه الاتفاقية تعتبر منطلقاً أساسياً للحق في تكوين النقابات العمالية والانضمام اليها دون ترخيص مسبق؛ فهي تعتبرأيضاً ركناً أساسياً وقاعدة متينة وراسخة فيما يتعلق بالحريات النقابية وحماية حق التنظيم النقابي،فقد نصت المادة (3) منها بوضوح على حق المنظمات العمالية وأصحاب العمل في وضع دساتيرها وأنظمتها، وانتخاب ممثليها في حرية تامة، وتنظيم إدارتها ووجوه نشاطها وصياغة برامجها. من ناحية أخرى حظرت ذات المادة (3) من الاتفاقية على السلطات العامة من ممارسة أي تدخل من شأنه أن يحد من هذه الحقوق أو يحول دون ممارستها المشروعة.
التشريعات الوطنية والشخصية الاعتبارية المستقلة للنقابات العمالية
الدستور الأردني
ان الدستور الأردني الذي هو رأس هرم التشريعات الوطنية جاء منسجماً مع التشريعات الوطنية بمنح الحق للمواطنين بتشكيل تنظيم نقابي حر بل ألزم الدولة بحماية هذا الحق ووضع تشريعات تتوافق معه. ومن هنا فإن الدستور الأردني نص بصراحة ودون مواربة على الحق في التنظيم النقابي الحر؛ فهو لم يكتفي بعبارة الحق بالتنظيم النقابي بل أكد على حريته وتلك الزيادة لا تأتي من باب اللغو فالمشرع لا يلغو، وانما الزيادات في النصوص الدستورية تأتي للاشارة والتأكيد على ما تم زيادته. وعليه فإن انشاء تنظيم نقابي يفتقر للحرية انما هو تعارض صريح مع الدستور وهنا يأتي دور النقابات العمالية في النضال في سبيل استقلالية الشخصية الاعتبارية لنقاباتهم من خلال تعديل القوانين التي تتعارض مع الدستور الأردني والتشريعات الدولية أيضاً.
قانون العمل الأردني
بالرغم من افراد قانون العمل الأردني فصلاً كاملاً للنقابات العمالية وبالرغم من وجود العديد من المواد الايجابية فيما يتعلق بالتنظيم النقابي وحماية النقابيين، الا ان كثيراً من مواد القانون تقدح في استقلال وحرية الشخصية الاعتبارية للنقابات العمالية؛ فاشتراط الترخيص المسبق وما يسمى بالتصنيف المهني واجبار النقابة على الانتساب للاتحاد العام ثم مصادرة حق النقابة في وضع دساتيرها وأنظمتها ومنحه للاتحاد العام ثم ربط سريان هذه الأنظمة بموافقة وزارة العمل، ناهيك عن مصادرة حق حل الهيئات الادارية من يد القضاء ومنحه للوزير وحرمان العمال من حقهم في المفاوضة الجماعية الا من خلال نقابات عمالية لا تملك حرية وضع أنظمتها الداخلية!! ان كل هذه المخالفات وغيرها تنتقص من الشخصية الاعتبارية للنقابات العمالية وتخالف ما نص عليه الدستور الأردني من أن التنظيم يجب أن يكون حراً ويتعارض بشكل واضح وحرية التنظيم النقابي المصانة في التشريعات الدولية؛ الأمر الذي يوجب على أفراد النقابات العمالية مواصلة نضالهم النقابي من أجل تعديل القانون بما ينسجم والدستور الأردني والشرعة الدولية ويراعي الحقوق الأساسية والحريات.
الأنظمة الداخلية للنقابات
ان مجرد مصادرة حق العمال المنتسبين لنقابة عمالية في وضع دستور نقابتهم الداخلي ليتعارض ويتنافى مع الشخصية الاعتبارية المستقلة للنقابة، فالأصل أن هؤلاء العمال اجتمعوا بمحض ارادتهم وتوافقوا على أهداف تجمعهم وشكلوا كياناً "نقابة" لها شخصية اعتبارية تتحدث وتتقاضى وتتفاوض وتبرم العقود باسمهم، ومن غير المعقول والمقبول أن يقوم غيرهم بوضع دستور لنقابتهم بالنيابة عنهم!! تخيل أن نقابة عمالية تضم في عضويتها آلاف من العمال والمنتسبين لا يضعون دستور نقابتهم أو حتى يشاركوا في تعديلها؛ بل لا يتم مشاورتهم ابتداءاً ولا يتم اعلامهم بهذه التعديلات ومبرراتها لاحقاً ثم نقول لهم ان نقابتكم لها شخصية اعتبارية مستقلة!! ان وجود مواد في الأنظمة الداخلية للنقابات العمالية تنظم ممارسة الشخصية الاعتبارية للنقابة حقها في المفاوضة الجماعية وابرام عقود العمل الجماعية والحق في التملك والتقاضي باسم العمال، لهو أمر جيد ولكنه لا ينطلق من أساس متين ولا هو نتاج ممارسة ديمقراطية حرة تشكلت من خلالها هذه الشخصية الاعتبارية فالحقوق لا تتجزأ ولا يجوز مصادرة حق العمال في تشكيل واستقلالية شخصية نقابتهم الاعتبارية وحرمانهم من حق اختيار ممثليهم ثم نتحدث عن كون النقابة بامكانها من خلال هذه الشخصية الاعتبارية تملّك العقارات وابرام العقود !!!
ان النضال النقابي مستمر لا يتوقف طالما هناك انتهاكات بحق العمال، وان النقابات العمالية القوية ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة والحرة هي الأقدر على ممارسة هذا النضال دونما تدخل أو املاء من أحد؛ وان المعيار الأساسي لقوة وصلابة هذه الشخصية الاعتبارية هو مدى أجواء الحرية وتقبل الآراء المختلفة داخل هذه النقابات العمالية، فلا يجوز أن تكون الشخصية الاعتبارية للنقابة ذات لون واحد وتوجه واحد ورأي واحد وانما ما يمنحها القوة والحيوية هو أنها تتشكل من فسيفساء من الآراء والتوجهات والألوان ولكنها جميعاً تحكمها وتضبطها أنظمة تم التوافق عليها واعتمادها دستوراً ينظم عملها. ان أي مساعي ذميمة لإفراغ النقابات العمالية من قوتها الأساسية المتمثلة بحرية أعضاءها في النقد وممارسة الهيئات العامة دورها الرقابي والمحاسبي للهيئات الإدارية انما هي محاولات لاغتيال الشخصية الاعتبارية المستقلة لهذه النقابات وتقزيم دورها من رعاية مصالح منتسبيها من العمال الى رعاية مصالح بعض من يتربعون على سدة قيادتها، وان الهيئات العامة التي كانت هي أساس تشكيل النقابات العمالية لهي الأقدر على حمايتها من التدخلات والاملاءات الخارجية وارجاع هيبة وحرية واستقلالية وقوة شخصية نقابتهم الاعتبارية.
اقرأ أيضاً:
إرسال تعليق