21/6/2022
مع اشتداد الأزمات عالمياً، والحديث المتصاعد عن أزمة الغذاء، والتضخم، وغيرها من أزمات عالمنا اليوم، لربما أحوج ما نكون إلى الحديث عن الريف، وتحديداً ريفنا الأردني بما مثله من مفردات عمادها كان الزراعة، وقد مثلت فيها الأرض مساحةً لسد الحاجة، ومثل فيها الإنسان نسقاً قيمياً قائماً على مفاهيم حميدة.ولربما يسأل أحدهم، لماذا الريف اليوم؟ لأن الأعوام الأخيرة شهد خلالها الريف متغيرات ملحوظة، وخاصةً في الأنماط المعيشية الاقتصادية فمن الاعتماد على الزراعة إلى الوظيفة أو في السلوكيات والقيم التي رافقت هذا التغيير .
فالمتأمل للريف الأردني وقراه، يرى أن كثيراً من جوانبه قد تغيرت، وبدأت تفقد ليس حميميتها فحسب، بل نرى هناك حالة من الفراغ القيمي يعززه عدم العدالة في توزيع مكتسبات التنمية، فضلاً عن هجرة القرية أو اضمحلالها إثر تمدد المدينة إليها، أو هجرة أبنائها إلى المدن، حتى أضحى مفهوم "ترييف مدننا" بحاجة هو الآخر إلى نظرة تأمل.
لقد كان الريف الأردني لوقتٍ قريبٍ حاضنة اجتماعية وموئلاً اقتصاديا وقيمياً يعتد به نظراً لأنه يشكل المخزون الزراعي ويمثل نوعاً من الطبقة الوسطى المتعلمة، والساعية للبناء من خلال التعليم والكد لأجله.
ولكن، ومع ما بتنا نعيشه من مشاكل تتعلق بالبطالة، وازدياد الظواهر المجتمعية المقلقة مثل الأزمة الغذائية العالمية، فإن الريف وأراضي قرانا، وينابيعها، وسهولنا الممتدة، والتي أبرزها سهل حوران كانت تطعم إمبراطوارياتٍ فيما مضى من الزمان، بحاجةٍ إلى نظرة.
ولربما المسؤولية الأكبر اليوم، هي ليست على عاتق وزارة الزراعة وحسب، بل هي مسؤولية رؤساء البلديات، وهم المعنيون بالمخططات الشمولية، والمدركون لإمكانيات التأسيس لنهضةٍ زراعيةٍ جديدةٍ على مستوى قرانا وبلداتنا، ضمن مشاريع تعيد الشباب إلى الأرض، أو تشجعهم على ذلك، مع ضرورة التنبه لما أصاب الكثير من أراضينا، من تقلص للمساحات الزراعية لحساب المساحات الأخرى العمرانية.
كما ندرك في هذا السياق الدور المعول على مجالس المحافظات في إيصال صوت القرى التنموي، وحاجاتها، لأجل أن تقوم البلديات بهذا الدور، وتعيد سمة الزراعية، إلى ريفنا الأردني.
إنّ القرية الأردنية تغيرت في شكلها وبنيتها، وأفرزت إثر المتغيرات مفهوماً خاصاً بها، إن لم تكن اضمحلت ملامحها القديمة التي حافظت عليها لعقودٍ مضت، ولكن، هذه القرى، وجيلنا وجيل اليوم يعرف بأنها ومن خلال عمل آبائنا وأجدادنا بالزراعة أسهمت في تعليم الأبناء، وكان المحصول موسماً لتأمين مصاريفهم، حتى باتت "على البيدر" جملة دارجة حتى اليوم، وربما كثيرون يصفون ذلك الزمان بأنه "زمان الشقاء"، ولكن يبدو بأنّ مشاكل العالم وسلاسل التوريد وسواها، تبرز لنا أهمية ذلك الشقاء، آنذاك.
والريف الأردني بمفهومه الممتد في حزامٍ حول مدننا أصابته حالة التمدين بشكلها المجتمعي، ولكنه أحوج ما يكون إلى تنميته، ببعدٍ زراعيٍ بحيث نحافظ على ملامحه وشكله "الريفي" ، فدول العالم كافة تولي ريفها الاهتمام المناسب للحفاظ على شكله وهويته، والأهم دوره.
وكثير من المتابعين لما يتداول عبر منصات التواصل الاجتماعي، لربما قرأوا خبراً متداولاً في الصحافة الأردنية في خمسينات القرن الماضي، عنوانه" تصدير فائض قمحنا.."، وهو خبر يتحدث عن تصدير الأردن القمح إلى مصر وسوريا، وذلك عام 1965م، إلا يعبر هذا الأمر عن تعطش إلى العودة للزراعة، وسط عالمٍ يتغير، ودولٍ باتت تمسك بزمام القوة من منطلق ما تزرع أكثر مما تصنع، ولربما لنا في ذلك عبرة..!
إرسال تعليق