اللجان النقابية في النقابات العمالية .. ما يراد لها وما يجب أن تكون

اللجان النقابية في النقابات العمالية .. ما يراد لها وما يجب أن تكون


حاتم قطيش -  موقع "رنان"

 تحديث 25/9/2024

لا تزال الفجوة بين العمال والنقابات العمالية كبيرة ومتسعة ولا يزال معظم العمال يعيشون حالة اغتراب عن نقاباتهم ولا تزال النقابات تزهد بكفاءات وخبرات العمال وتتعامل معهم بنظام الوصاية فلا هي نجحت في مد جسور الثقة بينها وبين العمال ولا هي استثمرت قوة العمال في تحقيق أهدافها وغاياتها، فبقيت منكفأة على نفسها جامدة في أساليبها تكرر وتدور قياداتها.

 بمجرد ذكر النقابات العمالية فإن أول ما يتبادر لذهن العمال هو اللجان النقابية فهم يعرفون النقابات العمالية من خلال اللجان، فإن كانت هذه اللجان فاعلة وتمتلك صلاحيات وتتفاعل ايجابياً مع العمال كان الأداء النقابي قوياً ونالت رضى العمال؛ وأما ان كانت هذه اللجان منزوعة الصلاحيات مكبلة الأيدي، بينها وبين العمال حواجز فسيكون الأداء النقابي ضعيفاً وستفقد النقابات ثقة عمالها.

كيف تتشكل اللجان النقابية 

درجت العادة أن يتم تشكيل هذه اللجان عن طريق صناديق الاقتراع؛ الا ان هذا الأمر منوط بقرار ورغبة رئيس وأعضاء الهيئة الادارية للنقابة فإن هم أرادوا مصادرة حق العمال في اختيار ممثليهم فبإمكانهم بكل بساطة تعيين اللجان النقابية بقرار من الهيئة الادارية حيث منحت المادة 63 من النظام الموحد للنقابات العمالية حق تشكيل اللجان النقابية للهيئة الادارية للنقابة العامة وفوضها في اختيار طبيعة هذا التشكيل!!.

وكما أن تشكيل هذه اللجان هو من صلاحيات الهيئة الادارية للنقابة العامة فإن حل هذه اللجان أيضاً بيد الهيئة الادارية، ومن هنا فإن قرار تفعيل اللجان النقابية منوط بتوجه ورغبة الهيئة الادارية وهذا أمر متغير ومتبدل حسب طبيعة الأشخاص الذي ينجحون في الوصول الى عضوية الهيئة الادارية، وعليه فإن ما يجب أن يكون هو أن يتم تعديل الأنظمة الداخلية وتثبيت حق العمال في اختيار ممثليهم.


أنظمة داخلية قاصرة 

يمكن تخيل مدى التهميش الذي تتعرض له اللجان النقابية في النقابات العمالية اذا ما علمنا أن النظام الموحد قد خصص مادة واحدة فقط من أصل 63 مادة للحديث عن اللجان النقابية!!، ومنحها الخيار بوضع نظام خاص لهذه اللجان مشترطاً مصادقة الاتحاد العام للنقابات العمالية على هذا النظام!!!.

 ومن المؤسف أيضاً أن لا أحد من أعضاء اللجان النقابية يملك الحق في المشاركة بتعديل النظام الموحد، ولا يؤخذ رأيهم بل لا يعلمون عن هذه التعديلات الا بعد اقرارها واعتمادها كما حصل في تعديلات النظام خلال السنوات الماضية، حيث لم يتم الاعلان عن أي نية لتعديل النظام ولم يتم الافصاح عن طبيعة هذه التعديلات ولم يتم اطلاق حوار اجتماعي بشأنها حيث اطلع النقابيون من أعضاء اللجان النقابية على هذه التعديلات بعدما نشرت على الصفحة الرسمية للاتحاد العام للنقابات العمالية في الفيسبوك!!

الصورة الحالية هي أن قيادات الاتحاد العام وأعضاء المؤتمر العام يملكون الحق المطلق في تعديل الأنظمة الداخلية ثم يتم اسقاطها على النقابات العمالية واللجان النقابية للعمل بفحواها؛ وهو أمر يتنافى مع أبسط قواعد حرية التنظيم النقابي ويصادر حق العمال في وضع الدساتير والأنظمة الداخلية لنقاباتهم وهو الحق الذي كفلته الاتفاقيات الدولية ويتوافق مع وصف الدستور الأردني للتنظيم النقابي بأنه تنظيم نقابي "حر".


اللجان عصب النقابات 

النقابات التي لا تملك لجاناً نقابية أو تملك لجاناً ضعيفة قد يحلو للبعض تسميتها نقابات كرتونية فهي لا تمارس الا الدور البروتوكولي ولا تشتبك مع العمال وقضاياهم ولا تمتلك المقدرة على مخاطبة العمال وتحشيدهم وادارة اضراباتهم واعتصاماتهم ومتابعة قضاياهم.

ان القضايا العمالية كثيرة وشائكة ومستمرة ولا يدركها الا العمال أنفسهم لذلك كان من الواجب أن يمارس العمال حقهم في اختيار ممثليهم في اللجان النقابية كونهم يعلمون من يملك المقدرة على حمل همومهم ومتابعة قضاياهم بأمانة.

ان اللجان النقابية القوية يمكن لها أن تنتزع صلاحياتها من الهيئات الادارية للنقابة العامة معتمدة في ذلك على دعم العمال، ولا يجوز بأي حال التعدي على هذه اللجان أو حلها أو الانتقاص من صلاحياتها ففي ذلك تفريغ للنقابات العمالية من قيمتها الفعلية وكسر لعمودها الفقري الذي لن تقوم للنقابات العمالية قائمة الا به.

بالمقدار الذي تشكل اللجان النقابية أهمية بالغة في تكوينات النقابات العمالية وشرياناً حيوياً يبقيها على قيد الفاعلية والوجود، فإن وجود هذه اللجان وتقويتها يعتبر سنداً للعمال ولا يجوز كشف ظهر العمال أمام أصحاب العمل من خلال حل هذه اللجان أو تقويضها أو افشال قراراتها.

اللجان النقابية وقوة العمال

لن أدخل في جدلية أن العمال الأقوياء والمثقفون نقابياً يفرزون لجاناً قوية أم أن اللجان القوية تؤهل عمالاً أقوياء؛ فالموضوع في نظري متكامل ومتصل ولو قام كل بدوره لمارس العمال حقهم في اختيار ممثليهم بحرية ولأفرزوا لجاناً قوية تساندهم وتناصرهم، ولسعت اللجان النقابية الى زيادة وعي العمال ومكنت الشباب منهم والنساء وسهلت مهمتهم في مراقبة ومحاسبة الهيئة الادارية من خلال عرض ونشر التقارير المالية والادارية للنقابات ولجانها.

الأمر بالغ الأهمية هو أن العمال يجب أن يدركوا أن مهمتهم لا تنتهي عند انتخاب نقابات أو لجاناً قوية؛ بل على العكس تماماً فإن مهمتهم الفعلية تبدأ من هنا.

المهمة الحقيقية للعمال أو الهيئات العامة كما تسميها الأنظمة الداخلية تكون في ممارسة المراقبة والمحاسبة على اللجان النقابية والهيئات الادارية، فإذا ما علم أعضاء اللجان والنقابات أن ورائهم عمالاً يدركون حقوقهم وواجباتهم ويمارسون دورهم النقابي الرقابي قاموا بدورهم على أكمل وجه ولن تسول لهم أنفسهم أن يهمشوا أو يتعدوا على الهيئات العامة، فجميع الدساتير والأنظمة الداخلية لجميع التكوينات النقابية في العالم تنظر للهيئة العامة أنها هي رأس الهرم النقابي وأعلى سلطة في الجسم النقابي التي لها حق الرقابة والمحاسبة لجميع الهيئات الادارية واللجان النقابية، وأن الهيئة الادارية هي جهة تنفيذية يجب أن تقدم تقاريرها المالية والادارية للهيئة العامة التي تملك حق اقراراه أو رفضها وتملك أيضاً حجب الثقة عن الهيئة الادارية أو بعض أعضائها ان هي رأت ذلك.


اللجان النقابية من منظور الاتحاد العام والنقابات العامة 

للأسف فإن من يقرأ النظام الموحد ويطلع على الممارسات الفعلية على أرض الواقع ليدرك أن النقابات العمالية والاتحاد العام يتعاملون مع اللجان النقابية معاملة الوصاية ويضعونها في اطار وظيفي محدد يتمثل كونها "حلقة وصل" بين العمال والنقابات العمالية حسب ما صرح أحد أبرز القيادات النقابية - السابقة - في اطار تبريره قرار الاتحاد العام حل اللجان النقابية ابان أزمة كورونا.

ان النظر والتعامل مع اللجان النقابية على أنها حلقة وصل يمكن للهيئة الادارية الاستغناء عنها أو تكليفها بمهام محددة توسعها أو تضيقها حسب الرغبة من شأنه أن ينزع هيبة هذه اللجان أمام أصحاب العمل فيُمعنوا في الانتهاكات ويمتنعوا عن الاجتماع بممثلي العمال من اللجان النقابية.

كما أن تأطير اللجان النقابية وحصرها بمهام محددة يكلفها بها رئيس النقابة من شأنه أن يرسل رسائل للعمال أن هذه اللجان لا تملك من أمرها شيئاً وان أراد العمال تحقيق مصالحهم عليهم التواصل مع رئيس النقابة ليقوم بدوره بتكليف اللجان النقابية، وهذا أمر جد خطير ويفرغ اللجان النقابية من قيمتها الحقيقية.

 

اللجان النقابية من منظور المركز الوطني لحقوق الإنسان 

المركز الوطني لحقوق الإنسان ومن خلال تقريره السنوي العشرين لحالة حقوق الإنسان في الأردن للعام 2023 الذي أشار الى عدم وجود تطــور فيمــا يتعلــق بتعديــل التشــريعات الناظمــة؛ علــى الرغــم مــن التوصيــات المتكــررة للمركــز فــي تقاريــره الســنوية الســابقة الهادفــة إلــى تمكيــن الأفــراد مــن ممارســة هــذا الحــق.

المركز الوطني لحقوق الإنسان أنتقد في تقريره أيضاً منح قانون العمل الاتحـاد العـام لنقابـات العمـال الحـق في وضــع النظــام الداخلــي للاتحــاد والنقابــات معــاً ولــم يتـرك للنقابـة (سـواء الهيئـة العامـة أو الهيئـة الاداريـة) أي دور تنظيمــي للنقابــة.

 وقد وضع المركز الوطني لحقوق الإنسان يده على الجرح بوصفه الهيئات العامة والهيئات الإدارية في النقابات العمالية أنهم  مجــرد أداة لتنفيــذ تعليمــات الإتحــاد العــام للنقابــات الــذي يوجــه ضــده الكثيـر مـن الشـكاوى مـن قبـل تجمعـات عماليـة عديـدة منهــا النقابــات المســتقلة للعمــال.


اللجان النقابية التي نريد

لا بد لنا من ادراك أن النقابات العمالية القوية يجب أن تكون قوية بكافة هيئاتها ومستوياتها، فلا يمكن أن نحظى بنقابات عمالية قوية دون عمال واعين يدركون قوتهم وأهمية استثمارها في افراز لجان نقابية قوية، فإن قال قائل بأن العمال يمكن أن يقوموا بدورهم في انتخاب لجان نقابية قوية ثم يتم الالتفاف على هذا الاختيار من قبل النقابات العامة من خلال تقويض صلاحيات واضعاف هذه اللجان؛ فهنا نقول أن العلاقة بين العمال واللجان النقابية والنقابة العامة هي علاقة تدافع وانتزاع صلاحيات واشتباك متواصل، فالعمال الأقوياء يراقبون أداء لجانهم من جهة ويدعمونهم في انتزاع صلاحياتهم من النقابة العامة من جهة أخرى، فالهيئات الادارية للنقابة العامة لن تجرؤ على مصادرة صلاحيات اللجان النقابية ان هي أدركت أن العمال يساندون ويدعمون هذه اللجان.
ان أول ما يجب انتزاعه هو وضع نظام خاص باللجان النقابية لكل نقابة حسب ما نصت عليه المادة 63 من النظام الموحد؛ الأمر الذي يتطلب تنسيقاً بين أعضاء اللجان النقابية المختلفة في النقابة الواحدة واقتراح نظام ينظم العلاقة بين اللجان والهيئة الادارية.
ولا بد من الاشارة هنا الى وجوب الضغط على ممثلي النقابة العامة في المؤتمر العام من أجل تعديل النظام الموحد وعلى رأس هذه التعديلات شطب العبارة التي أضيفت مؤخراً على المادة 63 والتي تمنح الاتحاد العام حق المصادقة على النظام الذي تقره الهيئة الادارية في النقابة العامة، كما لا يجوز أن تنفرد الهيئة الادارية بوضع نظام اللجان النقابية بل يجب أن تشارك اللجان النقابية بوضع هذا النظام وتصادق عليه الهيئة العامة للنقابة وليس الاتحاد العام، ناهيك عن وجوب التراجع عن تعديلات الأنظمة الداخلية للاتحاد والنقابات التي تمت في 2020 و 2022 كونها جاءت من غير حوار اجتماعي ولم يشارك فيها العمال ولا أعضاء اللجان النقابية والهيئات الادارية للنقابات.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020