تكميم الأفواه سنة جاهلية .. نفحات نقابية من وحي السيرة النبوية

تكميم الأفواه سنة جاهلية .. نفحات نقابية من وحي السيرة النبوية


حاتم قطيش - "رنان"

22/8/2022

لما شرّف الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وسلم بالرسالة اعتمد نهج الحوار في اقناع قومه وقريش بالدين مخاطباً العقل بالحجة والبرهان والمنطق السليم؛ ولكون هذا الدين وهذه النبوة تتعارض مع مصالح كفار قريش فما كان منهم الا أنهم صمّوا آذانهم رافضين حتى الاستماع ومقابلة الحجة بالحجة، ولما أدركوا أن رفضهم الاستماع لكلام الحق لا يمكن له أن يوقف رسالة الحق من الانتشار عمدوا الى سياسة تكميم الأفواه من خلال منع الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من التواصل مع الناس والوصول الى عقولهم وضمائرهم.

عندما لجأ بعض الصحابة الى النجاشي ملك الحبشة الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يظلم عنده أحد ما كان من قريش الا أن الحقت بهم عمرو بن العاص ليحاول ارجاعهم قبل أن يستمع النجاشي لهم.. تخيل ، كان هدفهم وغايتهم أن لا يستمع النجاشي للصحابة وكأنهم أوصياء على عقول الناس وقلوبهم، كما أنهم دخلوا على النجاشي محملين بأثمن الهدايا وأحبها اليه وحاولوا الطعن في أهلية هؤلاء الصحابة وتشويه سمعتهم حتى يرفضهم النجاشي ويلفظهم من بلاده دون الاستماع لهم!!، الا ان النجاشي أصر على سماع الصحابة وأدرك أنهم على الحق وفشلت محاولات قريش من تكميم أفواه الصحابة وصم آذان النجاشي وفشلت ماكنتهم الاعلامية من تشويه الحقائق واغتيال الشخصيات التي مارسوها ضد الصحابة الكرام.

في صلح الحديبية كان من أعظم بنود هذا الصلح أن الرسول صلى الله عليه وسلم هادن قريشاً ولم يحاربهم وقبل العودة الى المدينة من غير حج مقابل أن يخلّوا بينه وبين الناس؛ في تأكيد على أن نهج الاسلام -ونهج أهل الحق عموماً- هو ابلاغ الرسالة وازالة الغشاوة عن أعين الناس وتكون لهم بعد ذلك حرية الاتباع من غير منع أو ارهاب أو تخويف من أي طرف " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر".

اليوم وبعد مئات السنين نجد بعض أحفاد الصحابة من الذين قدموا أنفسهم ليكونوا نقابيين على اتساع الكيانات النقابية في العالم العربي والعالم أجمع تاهت عندهم البوصلة فبدلاً من السير على خطى أجدادهم أهل الحق من المؤمنين نجدهم يتتبعون خطى "كفار قريش" في ملاحقة ومحاربة  كل من عارضهم أو أظهر بعض تقصيرهم أو حاول مخاطبة عقول الناس وتوعيتهم بحقوقهم النقابية؛ فتجد هؤلاء النقابيين - بعضهم وليس جميعهم - يستأثرون بالنقابات العمالية لهم ولذويهم وللمقربين منهم ويبعدون كل من خالفهم أو لم يدُر في فلكهم ولم يعزز مصالحهم، وعندما يدركون أن بعض النشطاء نجحوا في ايصال التوعية النقابية الى شريحة جيدة من العمال والنقابيين عمدوا الى سياسة كفار قريش بتكميم الأفواه وملاحقة ومعاقبة كل من يؤشّر الى الصواب ويحاول اعادة البوصلة النقابية الى طريقها الأصيل.

بعض النقابيين آثروا الا استخدام كل الأدوات الجاهلية في محاربة مخالفيهم؛ فلم يكتفوا بصم آذانهم عن سماع النصح ولم يرضي غرورهم تكميمهم لأفواه معارضيهم؛ بل عمدوا الى تشويه سمعتهم والحاق التهم بهم وتأليف الأكاذيب والحاقها بهم لعلهم بذلك ينجحوا في فض العمال من حولهم وكسر شوكتهم، فتراهم يدخلون على قائمة من عمل "لايك" على منشورات معارضيهم فيعمدوا الى التواصل معهم وترغيبهم تارة وترهيبهم تارة أخرى لضمان أن لا يعودوا الى خطيئتهم في التفاعل مع خطاب معارضيهم. 

أقول ..  الحق أحق أن يُتبع والساكت عن الظلم والمعين للظالم والظالم نفسه هم في كفة ميزان واحدة، ولك أن تختار إما أن تؤمن بالحقوق والحريات النقابية وتستعد أن تدفع ثمن ذلك، وإما أن تكون أداة في يد غيرك يحركها لتحقيق مصالحه الشخصية ويستخدمها في تكميم أفواه معارضيه .. هم فريقان لا يستويان.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020