9/8/2022
على أهمية الدراسة التي نشرها ديوان الخدمة المدنية قبل أيام وحدد بموجبها التخصصات المشبعة في سوق العمل الأردني، ودعا فيها الشباب والشابات إلى عدم دراستها، إلا أن نتائجها لا تعكس واقع سوق العمل بدقة، إذ إنها استندت إلى الطلبات المقدمة للعمل في القطاع الحكومي.وهذه مناسبة للحديث عن الأسباب المتعددة التي تساهم في الارتفاعات الكبيرة في معدلات البطالة في الأردن، إذ إنه إضافة إلى التراجع الملموس في قدرات الاقتصاد الوطني على توليد فرص عمل كافية ولائقة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، فإن هناك اختلالات هيكلية في منظومة التعليم ساهمت بشكل كبير في ارتفاع معدلات البطالة بعامة، وبين الشباب والنساء بخاصة.
أحد هذه الاختلالات يتمثل في أن غالبية خريجي الثانوية ينخرطون في التعليم الجامعي بمستوياته المختلفة، على خلاف الممارسات الفضلى في معظم الدول المتقدمة، حيث إن هرم التعليم الطبيعي في الاقتصادات الطبيعية يتطلب أن يلتحق غالبية الطلبة بالتعليم المتوسط والتقني والمهني، ويلتحق ما يقارب ثلث الطلبة بالتعليم الجامعي.
لكن الواقع القائم في الأردن هو على النقيض من ذلك بالكامل، حيث إن غالبية طلبتنا يلتحقون بالتعليم الجامعي في حين القلة القليلة يلتحقون بالتعليم المتوسط والمهني والتقني، اذ يناهز عدد طلبة الجامعات 300 ألف طالب وطالبة، بينما يقارب عدد طلبة المعاهد المتوسطة والمهنية والتقنية 30 ألفا.
ويعود هذا الاختلال بشكل رئيسي إلى التحول في منظومة التعليم التي بدأت مطلع عقد التسعينيات بتحفيز القطاع الخاص على فتح الجامعات والتوسع فيها، والتوسع الكبير في مسارات التعليم الموازي، إلى جانب الترويج لفكرة أن الشهادة الجامعية هي صمام أمان النجاح في الحياة ومفتاح الحصول على وظيفة جيدة.
مطالبة ديوان الخدمة المدنية للطلبة بعدم الالتحاق بالجامعات والتوجه نحو التعليم المتوسط والتقني والمهني محقة، ولطالما طالبنا فيها عبر العديد من التقارير والدراسات، إلا أن ذلك يتطلب فتح المجال أمام هؤلاء الطلبة لاستكمال تعليمهم في التخصصات والمستويات التعليمية التي يرغبونها، إن رغبوا بذلك، على اعتبار أن التعليم والوصول إليه حق للجميع.
اختلال آخر في منظومة التعليم، لا يقل في تأثيره على زيادة معدلات البطالة بين الشباب عن سابقه، يتمثل في الضعف الملموس في مخرجات التعليم الجامعي أو غير الجامعي.
فغالبية خريجي النظام التعليمي في الأردن لا يمتلكون الحدود الدنيا من المعارف والمهارات اللازمة لانخراطهم في سوق العمل في تخصصاتهم التي درسوها، إذ إن منظومة التعليم تقوم على الحفظ والتلقين، وتجميع العلامات من الامتحانات.
ويمكن إضافة اختلال آخر في هذا المجال؛ يتمثل في مجالات عمل خريجي الجامعات بعد تخرجهم، إذ يركز جلهم على ضرورة العمل في ذات التخصص الذي درسه في الجامعة، وينتشر هذا بشكل كبير بين الخريجات من الإناث، بينما الأصل في المرحلة الأولى من التعليم الجامعي أن توفر المعارف والمهارات اللازمة لانخراط الخريجين والخريجات في غالبية المهن المتاحة في سوق العمل بعد خضوعهم لبرامج تدريبية قصيرة.
غالبية المشتغلين في الأردن وفي مختلف أنحاء العالم يعملون بوظائف هي غير التخصصات التي درسوها في الجامعات، وتكفي نظرة سريعة إلى المحيطين بنا من أصدقاء وصديقات وأقارب، كفيلة للوصول الى قناعة أنه ليس بالضرورة أن يتم العمل في التخصصات بعينها التي ندرسها في الجامعات.
محاربة البطالة تتطلب فهما عميقا لديناميات المجتمع والاقتصاد، والبدء يكون في مراجعة منظومة التعليم التي بنيت خلال العقود الثلاث الماضية على أسس ساهمت بشكل كبير في تعميق الفجوات والاختلالات في سوق العمل.
إرسال تعليق