5/9/2022
ينص قانون الضمان الاجتماعي على ضرورة القيام بدراسات اكتوارية لوضع المؤسسة مرة كل ثلاث سنوات على الأقل وهو ما تقوم به. لكن المؤسسة لم تعد تنشر هذه الدراسات لاطلاع العموم والنقاش. وعليه يجب نشر اخر دراسات اكتوارية للضمان الاجتماعي ومناقشتها مع كافة أصحاب العلاقة (نقابات ومجلس امة ومؤسسات مجتمع مدني وغيرهم) قبل اقتراح أي تغييرات جديدة على قانون الضمان الاجتماعي.
بعد نقاش الدراسات الاكتوارية بكل وضوح يجب التوافق على تأطير أي تعديلات على قانون الضمان بحيث لا يتم أي تعديل على القانون الا اذا كان من مصلحة جميع الأطراف: عمال وموظفين وأصحاب عمل ومؤسسة الضمان. لا ان تكون التعديلات لصالح طرف على حساب طرف اخر.
بداية ان اقتراح مؤسسة الضمان بتخفيض نسب اقتطاع تقاعد الشيخوخة للشباب الى النصف مع تخفيض فترة الاشتراك المحسوبة للتقاعد الى النصف يفيد أساسا أصحاب العمل والوضع المالي للمؤسسة على حساب العامل والموظف. ولنأخذ هنا مثالا: موظف شاب براتب 500 دينار اول 10 سنوات من عمله وهو صغير وأصبح راتبه 1500 دينار بعد 28 سنة عمل على سن الستين. لو اشترك 10 سنوات على النسبة المخفضة لتامين الشيخوخة كما هو مقترح سينخفض راتبه التقاعدي بنسبة 17% بعد 30 سنة. فيخسر 2250 دينار سنويا من راتبه التقاعدي بعد الستين مقابل زيادة راتبه وهو صغير ب 195 سنويا دينار فقط. تجارة خاسرة تماما له. بينما تتنازل المؤسسة عن 525 دينار اقتطاعات في السنة من راتبه وهو صغير لتوفر 2250 دينار سنويا من راتبه التقاعدي. وهو مربح اكتوراي هائل! بدلا عن هذا لربما يجب التفكير بحوافز مالية للموظفين المستحقين للتقاعد المبكر - وهم حاليا حوالي 150 ألف شخص - بحيث يأجلون هذا الخيار مقابل تخفيض عبء اشتراكاتهم. هذا سيكون مفيدا لهم وللوضع المالي للضمان الاجتماعي وللاقتصاد ككل.
على صعيد الإصلاحات الجذرية لا زلت عند رأيي اننا نحتاج قرارات دراماتيكية بعد دراستها اكتواريا تحفز الاقتصاد وتفيد العمال وأصحاب العمل ومؤسسة الضمان معا. منها مثلا تخفيض اشتراكات الضمان من 21.75% الى 10% مقابل الغاء التقاعد المبكر ورفع سن التقاعد الى 62 عام للجميع ذكورا واناثا. بحيث تنطبق هذه النسب على جميع المشتركين الجدد حصرا مع اختيارية التحويل لها للمشتركين الحاليين ان أرادوا. وبحيث يكون احتساب الراتب التقاعدي مربوطا بمعدل اعلى 10 او 15 سنة من مجموع سنوات الاشتراك لا اخر سنتين فقط.
في موضوع التامين الصحي تقترح المؤسسة توفير التامين الصحي مقابل رفع اقتطاع الضمان من 21.75% الى 24.25% لغير المؤمنين صحيا والى 22.75% للمؤمنين صحيا. وتقترح المؤسسة ان يكون التامين الصحي في القطاع الخاص حصرا ويحصل على تمويل حكومي إضافي ويمول أيضا من فوائض صندوق إصابات العمل.
أرى ان هذا الاقتراح اضراره كبيره ويجب ان لا يمر. فهو يحرم القطاع الصحي العام من تمويل حكومي مهم ليذهب حصرا الى القطاع الطبي الخاص. وهو كذلك يزيد نسبة اقتطاع الضمان لتصبح عالية جدا على العمال والموظفين مما سيساهم في تقليل رواتبهم الفعلية وقدرتهم الشرائية. ولنتذكر ان تعديلات قانون الضمان عام 2014 والتي زادت نسب الاقتطاع بثلاث درجات مئوية على ثلاث سنوات سحبت سيولة إضافية من جيوب الشركات والافراد بحوالي مليار ونصف دينار بين 2015 ومنتصف 2021 وحتما ساهمت في تثبيط النمو الاقتصادي.
لربما الأفضل ان يقوم الضمان باستدراج عروض تامين طبي للمشتركين والمتقاعدين كما تفعل كثير من الجمعيات والنقابات بحيث يوفر لهم خيارات تأمينية عديدة من كثير من شركات التامين. وتكون هذه العروض منشورة بشفافية امام كافة المشتركين ويكون الاشتراك اختياريا للموظفين والعمال عبر خدمات الضمان الاجتماعي الالكترونية ويدفعون مقابل ما يختارون. هكذا لا نزيد العبء على العمال والموظفين، بل نوفر لهم خيارات تامين صحية إضافية يختارونها بحسب حاجتهم الفعلية. ويكون دور الضمان محصورا في توفير خيارات مناسبة بأسعار منافسة لان شركات التامين ستسعر عروضها بأفضل الأسعار نظرا للعدد الكبير من مشتركي الضمان. بدون زيادة عبء الضمان على الاقتصاد وبدون تحميله مصاريف إضافية.
تعودنا في السنوات السابقة ان ما تقترحه إدارة الضمان تسير به الحكومة ويمرره مجلس الامة بدون تغيير. آن أوان نقاش وطني هادئ شفاف لكل الدراسات الاكتوارية للمؤسسة.
إرسال تعليق