سلامة الدرعاوي
5/9/2022
إلغاء التقاعد المبكّر نهائيّاً اعتباراً من سنة 2026، وإن كان متأخّراً كثيراً، إلّا أنّه يعتبر أحد أبرز مفاصل الإصلاح الماليّ ضمن التعديلات المقترحة على مشروع قانون الضمان الاجتماعيّ الّذي سيعرض على الدورة العاديّة المقبلة لمجلس النوّاب .خطوة إلغاء التقاعد المبكّر، جاءت بعد أن أصبح هو القاعدة وليس الاستثناء، فأكثر من ثلثي حالات التقاعد هي من المبكّر، ليشكّل بذلك أحد أشكال الهدر الماليّ واستنزاف موارد مشتركي الضمان لصالح فئات تمكّنت بموجب تشوّهات القانون أن تحصل على امتيازات ماليّة أضعافا مضاعفة لاشتراكاتها، نتيجة خروجها للتقاعد في سنّ مبكّرة، ممّا خلق حالة ضغط حقيقيّة على موارد الضمان الّتي فعلا باتت استدامتها في خطر حال استمرار هذا المشهد دون إجراءات علاجيّة وجراحيّة عميقة في هيكل التقاعدات وتحديداً المبكّر .
السماح لمتقاعدي الضمان الاجتماعيّ الّذين تقلّ رواتبهم عن 300 دينار بالعمل وجمع راتبين هي خطوة ينظر لها من باب اجتماعيّ بحت، بهدف دعم هذه الشريحة اجتماعيّاً بشكل أكثر، بسبب ضغوطات الأمن المعيشيّ على هذه الفئات الاجتماعيّة.
أيضاً تمديد سنّ تقاعد الشيخوخة لـ62 عاماً للذكور و59 عاماً للإناث فيه إيجابيّات كبيرة تتناسب مع حالة التطوّر الصحّيّ والذهنيّ لمشتركي الضمان وامتداد الأعمار لما فوق عمر الـ80عاما في معدّلاتها الأخيرة، ممّا يعني زيادة قدرة مشتركي الضمان على مواصلة العمل لسنوات أطول ممّا كانت عليه في السابق، وهذا أمر مطبّق في غالبية دول العالم الّتي زادت من عمر الشيخوخة للتقاعد إلى سنوات أطول، ووصلت في بعض الدول إلى 74 عاماً.
تغيير احتساب معدّل راتب التقاعد على أساس متوسّط أجور المؤمن عليه بدلاً من احتساب آخر 36 شهراً فيه إيجابيّة لمشتركي الضمان وتحديدا ممن رواتبهم قليلة لارتباطها احتسابها بمعدلات التضخم بشكل سنوي، أنّها توفّر مرونة كبيرة لمشتركي الضمان الذين تقلّبت بهم أمور العمل وخرجوا من مكان للآخر براتب أقلّ ممّا كانوا عليه، ممّا جعل بعضهم يمتنع عن العمل خوفاً على راتبه التقاعديّ من التراجع.
توسيع قاعدة الشمول ودخول 120 ألف مشترك في الضمان يعتبر ذروة الإصلاح الحقيقيّ وجزءاً أساسيّاً من تحقيق العدالة الاجتماعيّة للعاملين، وإلزاميّة الضمان هي حقّ أصيل للعامل وليس منّة من أحد، لذلك فإنّ تغليظ العقوبات على كلّ من لم يسجّل في الضمان وسيلة فاعلة لضبط حالات الانفلات وضياع حقوق العاملين بغضّ النظر عن جنسيّاتهم.
ولنتصوّر خطورة حجم التهرّب من التسجيل في الضمان مع وجود مئات آلاف من العمالة الوافدة الّتي باتت تعمل في مهن كثيرة بشكل عشوائيّ وغير منضبط وخارج مظلّة التأمينات الاجتماعيّة.
تعزيز مسألة التكافل الاجتماعي من خلال حساب خاص للمتقاعدين والعاملين وغيرها من الفوائد التأمينية التي تضمنتها تعديلات مشروع قانون الضمان فيه مساس إيجابي باحتياجات المتقاعدين والمؤمن عليهم في أوقات هم بأمس الحاجة إليها.
لا يمكن الحفاظ على أموال الضمان الاجتماعيّ في ظلّ غياب الإرادة القويّة في تطبيق الإصلاح الشامل لهذه المؤسّسة السياديّة، فلا يعقل أن يكون هناك تهاون في تطبيق القانون بسواسية على مشتركيه، وتحقيق منافع باتّجاه واحد لصالح فئات محدّدة عكس ما تنتفع به الغالبيّة العظمى من المشتركين، لا بل يشكّل تحدّيا كبيرا أمام التأمّين المستقبليّ لمشتركي الضمان من الأجيال القادمة.
إصلاح الضمان بقرارات جريئة، هو أساس استمراريّة الحفاظ على حقوق وأموال مشتركي الضمان والأجيال المقبلة، فالضمان ليس وسيلة للثراء كما يصوّره البعض، بل هو أداة تأمينيّة لمتقاعدي الضمان لتوفير حياة كريمة لهم في أوقات لم يعودوا يتمكّنوا من الاستمرار في العمل لأسباب مختلفة، لذلك فإنّ الدراسات الاكتواريّة للضمان تزداد إيجابيّتها مع ازدياد خطوات الإصلاحات الهيكليّة للضمان، والتعديلات الأخيرة تصبّ في هذا الاتّجاه.
إرسال تعليق