مشروع تعديل 2022: تقليص جديد لمتلقي رواتب التقاعد

مشروع تعديل 2022: تقليص جديد لمتلقي رواتب التقاعد



د. محمد الزعبي
29/9/2022

ها نحن الآن في مواجهة مشروع التعديل الأخير لقانون الضمان، الذي سيقلص إلى أبعد حد عدد الذين سيحصلون على رواتب تقاعدية من أصحاب الأجور المتدنية. إذ يأتي التعديل الجديد ليقضي تمامًا على بقية المبادئ التي أسس عليها الضمان الاجتماعي. وسيقتصر نقاشنا على التعديلات التي طالت تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة.

لكن قبل الغوص في التعديلات، يجب التنبه إلى التأثير الواضح للبنك الدولي فيه، فكما في جميع تعديلات قانون الضمان السابقة التي تدخل فيها صندوق النقد والبنك الدوليين، ينعكس هذا التأثير في الانتقال من أنظمة تقوم على مبادئ الضمان الاجتماعي والمسؤولية الاجتماعية، إلى أنظمة تعتمد على مبادئ الادخار والمسؤولية الفردية، كما حدث في عدة بلدان.[8] تكمن المشكلة في فهم البنك الدولي في أنه يوجه مؤسسة الضمان للاهتمام بديمومة مركزها المالي، مقابل إهمال ديمومة دورها الاجتماعي. وقد عبر البنك الدولي بوضوح عن ذلك في تقرير صادر العام الماضي بعنوان «الأردن – المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي: نحو توسيع نطاق الشمول ونظام تقاعد أكثر كفايةً وعدالةً واستدامةً»، أكد في ملخصه التنفيذي على:

«أهمية إجراء رفع إضافي لسن التقاعد مع خفض طفيف في معدلات الاستحقاق للرواتب التقاعدية (معادلة منافع أقل سخاءً) بغرض معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الحالية بالإضافة إلى إعسار النظام على المدى الطويل. كذلك، سيتطلب التوسع في الشمول في نظام الضمان الاجتماعي المزيد من التنويع في الركائز، بما في ذلك نظام التقاعد الاختياري».

يزيد التعديل الجديد من التمييز بين مشتركي الضمان خصوصًا حسب أعمارهم وتاريخ اشتراك بالضمان، ويحمّل الشباب والمشتركين الجدد أعباء الأخطاء السابقة التي رافقت بناء وتطور الضمان الاجتماعي في الأردن.



يمكن تقسيم التعديلات حول الأثر المتوقع منها إلى قسمين: أولًا تعديلات ترتبط بالوضع المالي للضمان، من حيث تقليص النفقات أو زيادة الإيرادات، وثانيًا تعديلات تتعلق بالتفاوت بين المشتركين.


أولًا: تخفيض النفقات وتوسعة الشمول


خفضت التعديلات المقترحة عدد سنوات الاشتراك، ورفعت سن التقاعد، وألغت التقاعد المبكر لبعض المشتركين. بالتالي، ستدفع هذه التعديلات نحو زيادة توجه مشتركي الضمان نحو تعويض الدفعة الواحدة بدلًا من الرواتب التقاعدية، وقد يكون ذلك مفيدًا للمركز المالي للضمان، لكن تأثيره على المشتركين سيكون كارثيًا، باستثناء من يلجأ لصندوق المعونة الوطنية للحصول مساعدة شهرية بعد حصوله على تعويض الدفعة الواحدة. ولهذا تأثير سلبي على هذا الصندوق الممول من خزينة الدولة.

فقد رفعت المادة 64 من التعديلات المقترحة سن التقاعد المبكر لمن لديه أقل من سبع سنوات اشتراك (منذ سريان القانون) إلى 55 سنة للرجال و52 سنة للنساء. وهي خطوة ستضغط على من يترك العمل قبل هذه السن للحصول على تعويض الدفعة واحدة بدلًا من الانتظار وهو عاطل عن العمل لحين بلوغه سن التقاعد، وبالأخص النساء العاملات. وألغت المادة نفسها التقاعد المبكر لمن لديه أقل من ثلاث سنوات اشتراك، ورفعت المادة 62 سن التقاعد لنفس الفئة إلى 62 للرجال و59 للنساء. مما سيزيد الضغط باتجاه الدفعة الواحدة خصوصًا في ظل شيوع وجود الأمراض المزمنة بين هذه الفئة العمرية من السكان، مما سيسهل عليهم الحصول على تعويض الدفعة الواحدة كحالة عجز خارج الخدمة.

في ظل وجود هذه النسبة المرتفعة جدًا من البطالة في الأردن، فإن هذا التعديل هو الأسوأ على الإطلاق ضمن هذه الحزمة من التعديلات. فرفع سن التقاعد خطوة لا يتبناها أي نظام ضمان اجتماعي في العالم إلا بتحقق أربعة شروط مجتمعة: أولًا، تعمر السكان ووجود نسبة كبيرة من المسنين؛ ثانيًا، الشمول الكامل لكل السكان في مظلة الضمان؛ ثالثًا، انخفاض نسبة البطالة لأدنى حد؛ ورابعًا، وجود تأمين للبطالة يضمن معيشة العامل في حال تعطله عن العمل. وجميع هذه الشروط غائبة عن الأردن. فنسبة من هم فوق الستين لا تتجاوز 6% من مجموع السكان، ونسبة البطالة تقترب من 25% من القوى العاملة، ونظام الضمان لم يصل إلى شمول كامل، ولا يوجد فيه تأمين بطالة.

من جهة أخرى، ألغت التعديلات تأمين الشيخوخة الإلزامي لفئة الشباب، حيث سمحت المادة 59 وفق التعديل المقترح بعدم شمول الشباب تحت سن 30 بتأمين الشيخوخة، مما يعني وضع صعوبات أمام هذه الفئة الكبيرة تعرقل تجميع سنوات الاشتراك اللازمة للتقاعد، خصوصًا في ظل البطالة المرتفعة، مما سيدفعها للدفعة الواحدة بدلًا من الراتب التقاعدي.

لكن في ظل هذه الفئات المتزايدة التي تُدفع باتجاه تعويض الدفعة الواحدة، يأتي تعديل آخر في المادة 70، ليخفض قيمة هذا التعويض. فقد خفض التعديل قيمة التعويض لمن يعجزون أو يتوفون أو يصلون سن الشيخوخة وهم على رأس عملهم من 15% من آخر أجر لهم، مضروبًا بعدد الاشتراكات، كما هو في القانون الحالي، إلى 10% من متوسط أجورهم في حال قلت مدة اشتراكهم عن عشر سنوات، و12% في حال كانت بين 10 و18 سنة، و15% في حال زادت عن 18 سنة. مما يعني تخفيض قيمة التعويض بنسبة تصل إلى 50% للفئة ذاتها التي حُرمت من التقاعد المبكر أو رفع سن تقاعدها. في حين أن ما دفع عن هؤلاء المشتركين خلال سنوات اشتراكهم يصل إلى 21.75% من مجموع هذه الاشتراكات ناهيك عن عوائد استثمارها. حقيقة هذه قسوة لا يجرؤ عليها حتى عتاة الرأسماليين والمستثمرين الجشعين.

فيما يتعلق بتوسعة الشمول، فقد نصت التعديلات على حق مؤسسة الضمان بشمول فئات جديدة، وغلظت العقوبة على من لم يسجل بالضمان. ووسعت المادة 7 الاشتراك الاختياري ليشمل أبناء الأردنيات وأبناء قطاع غزة المقيمين في الأردن. فيما ألغي إعفاء من لديهم تأمين إلزامي في النقابات المهنية، ليصبح بذلك اشتراكهم في الضمان إلزاميًا. ويشمل ذلك الأطباء أصحاب العيادات الخاصة، والأطباء البيطريين، والمهندسين أصحاب المكاتب الهندسية، والمحامين أصحاب مكاتب المحاماة، والصيادلة أصحاب الصيدليات، والمهندسين الزراعيين، وغيرهم.

يوضح الرسم البياني التالي مدى طول فترة التوسع في الشمول التي استمرت منذ عام 1980 وما زالت مستمرة ليومنا هذا. وهو ما يوضح بدوره حاجة المؤسسة إلى توسعة الشمول في مشروع تعديل القانون لعام 2022، خاصة وأن متوسط معدل النمو في أعداد المؤمن عليهم خلال السنوات الست الماضية لم يتجاوز 3.25%.





ثانيًا: التفاوت بين المشتركين


قلصت التعديلات المقترحة، ولو بشكل قليل وغير كاف، من التفاوت في الرواتب التقاعدية، أو الفجوة بين الرواتب المنخفضة جدًا والمرتفعة جدًا. وهو تطور إيجابي رغم أنه تأخر طويلًا، رغم مطالبات العمال والرأي العام المتكررة وملاحظات وتوصيات منظمة العمل الدولية ومنظمة الضمان الاجتماعي الدولية بهذا الشأن للمؤسسة في الأردن. كما أن تكلفة هذا التعديل قليلة على المؤسسة في ضوء الوفر الذي ستحققه في المحاور الأخرى، وهو يشكل من جهة أخرى دعاية داعمة للتعديلات الأخرى القاسية والمجحفة بحق العمال، حيث يتطلع أصحاب الرواتب المنخفضة جدًا بشغف الزيادات التي انتظروها لفترة طويلة لتحقيق مستوى عيش أفضل ولو قليلًا.

فمن جهة، عملت التعديلات المقترحة على تحسين الرواتب التقاعدية المنخفضة. إذ رفعت المادة 89 الحد الأدنى لراتب التقاعد، مع ما يلحقه من زيادات، إلى 35% من متوسط الأجور لسنة سابقة للرواتب التي تقل عن هذا المعدل. وتم تعديل آلية ربط الراتب التقاعدي بنسبة التضخم في المادة 90، حيث اعتُمد ربط الراتب بالمتوسط الحسابي بين نسبة التضخم والزيادة في معدل الأجور، بدلًا من اختيار الأقل بينهما كما هو في القانون الحالي. وتطبق هذه الزيادة كذلك على رواتب التقاعد المبكر بنسب متدرجة، تبدأ من 100% من الزيادة لمن لا تزيد رواتبهم التقاعدية عن 300 دينار. كما نص التعديل المقترح في المادة 85 على السماح لأصحاب رواتب الاعتلال وللمتقاعدين مبكرًا ممن كانت رواتبهم أقل من 300 دينار بالجمع مع أجر العمل.

من جهة أخرى، عمل عدد من التعديلات المقترحة على تقليص التفاوت بين الرواتب المرتفعة جدًا والمنخفضة جدًا، ولو بشكل قليل، عن طريق استحداث مادة جديدة تحدد طريقة احتساب راتب التقاعد على أساس متوسط الأجور لكل فترة الاشتراك، بدلًا من متوسط أجور آخر سنتين، للمشتركين الجدد عند تقاعدهم. على أن يُعدّل المتوسط بزيادة نسبة التضخم لكل سنة.

وهذه خطوة جيدة ستخفض من التفاوت الكبير في الرواتب التقاعدية، لكن عدم تطبيقها بأثر رجعي على المتقاعدين أو حتى على المشتركين الحاليين سيخلق تمييزًا حادًا بين الرواتب التقاعدية على النظام القديم والنظام الجديد. كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار إلا المتوسط الحسابي للأجور، دون احتساب الانحراف المعياري لهذه الأجور، فالفرق بين الحد الأدنى في بداية اشتراك المؤمن عليه والحد الأعلى في نهاية اشتراكه إذا كان كبيرًا له مردود استثماري أقل مما إذا كان الفرق قليلًا، مما يعني استمرار استفادة أصحاب الأجور المرتفعة أكثر من الضمان على حساب أصحاب الأجور الأقل.

فعلى سبيل المثال، إذا كان لدينا مشتركان، الأول بدأ أجره بـ200 دينار في سنواته الأولى وانتهى بـ800 دينار في آخر سنوات اشتراكه، والثاني بدأ بـ400 دينار في سنواته الأولى وانتهى بـ600 دينار في آخر سنوات اشتراكه، وكان المتوسط الحسابي لأجورهما هو 500 دينار، فإن العائد الاستثماري لاشتراكات المشترك الأول أقل من العائد الاستثماري للمشترك الثاني. بالتالي فإن أصحاب الرواتب التي ترتفع في نهايات سنوات الاشتراك ستربح أكثر من الرواتب التي لا ترتفع كثيرًا، ويزداد هذا الربح مع ازدياد المتوسط.





وسط كل ذلك، أضافت المادة 19 اقتراحًا يسمح باستحداث حساب التكافل الاجتماعي لتغطية نفقات التعليم لأبناء المؤمن عليهم والمتقاعدين وتغطية إضافة مدة الخدمة المتبقية للحصول على راتب تقاعدي، في محاولة لتحميل العمال أعباء من يفقدون العمل في سن متأخرة، لحين بلوغهم سن التقاعد المبكر أو التقاعد الوجوبي.

ختامًا، قد تكون بعض تعديلات قانون الضمان الأخيرة تصحيحًا متأخرًا لمشاكل استمرت لعقود، لكن الجزء الأكبر من هذه التعديلات لا يخرج على النهج الذي تسير عليه المؤسسة منذ سنوات طويلة، خاصة بتأثير المؤسسات المالية الدولية، والذي يعيد تشكيل الضمان الذي يفترض أن يقوم على المساواة والتضامن بين جميع المواطنين ليتعامل معهم بتمييز بشكل مخالف للدستور الأردني، ولا يحقق الهدف الأول منه وهو تحقيق العدالة الاجتماعية وحماية الفئات الأضعف في المجتمع.

تم اقتباس هذا المقال من تقرير شامل وثري للكاتب بعنوان تعديلات قانون الضمان الاجتماعي 2022: لا خروج عن النهج تم نشره على موقع حبر ننصح بالرجوع اليه





إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020