مؤتمر النقابات العمالية المستقلة الثالث .. تعددية وحرية نقابية بنكهة عمالية

حاتم قطيش - رنان 

17/10/2022

 انعقد يوم السبت الماضي 15/10/2022 المؤتمر الثالث لاتحاد النقابات العمالية المستقلة الأردني بعدما تعطل انعقاده لعدة سنوات من الاستحقاق لأسباب عديدة منها ظروف جائحة كورونا وتدخل الأجهزة الأمنية أكثر من مرة للحيلولة دون انعقاده، وقد حمل المؤتمر عنوان " التعددية جوهر الحريات النقابية ".

 

تظاهرة عمالية بامتياز

من أكثر ما يميز هذا المؤتمر هو الحضور اللافت للعمال والعاملات الذين ترى الإصرار في أعينهم وتلحظ الإرادة في ملامحهم، هؤلاء العاملات والعمال حضروا كأصحاب بيت ومعزّبين بل وأصحاب قرار ورأي محترم، فهم على اطلاع بقرار انعقاد المؤتمر وعلى اطلاع ايضاً بموعده وجدول أعماله؛ الأمر الذي افتقده عمال آخرون في اتحادات عمالية أخرى حيث انعقد مؤتمرهم في السر ولم يعرفوا عن موعد انعقاده ولم يسمح لهم بالحضور ولا المشاركة ولا حتى معرفة مخرجاته وكأن المطلوب من العمال هو دفع الإشتراك الشهري فقط!!.

لاحظ ضيوف المؤتمر العدد الكبير من عمال وعاملات الزراعة الذين تكبدوا عناء السفر وجاؤوا الى موقع انعقاد المؤتمر جنباً الى جنب مع زملائهم العمال من بقية النقابات المستقلة الاثنا عشر مساهمين في اختيار ممثليهم وقيادة اتحادهم حيث تم انتخاب السيد سليمان الجمعاني رئيساً للاتحاد ومشاركين أيضاً بتعديل دستور اتحادهم من خلال تعديل النظام الداخلي، مبرهنين أن الشرعية النقابية انما تؤخذ من العمال والعاملات لا من قرارات يتخذها وزير فيما يسمى بالتصنيف المهني.

القضايا الوطنية والعمالية حضرت بقوة

ما ميّز هذا المؤتمر هو شموله لكافة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تهم عمال الوطن بل الوطن بأكمله، فتوزعت الكلمات والمداخلات للضيوف المحليين والعرب وممثلي المنظمات الدولية لتعبر عن رؤية وثقافة وانتماء العمال وقياداتهم على اعتبارهم مكون أساسي ورئيسي ومؤثر في المجتمع وله حق ودور مهم في دوران عجلة التنمية على مستوى الوطن ولا يجوز تقزيمه وحصره في قضايا مطلبية عمالية فئوية فقط.

ان قضايا مثل البطالة والتضخم وتدني الأجور ورفض التطبيع وتكريس شروط العمل اللائق ومكافحة العمل الجبري والاتجار بالبشر وتجويد التشريعات الوطنية والتعددية والحرية النقابية والحوار الاجتماعي والحق في المفاوضة الجماعية انما هي قضايا تمس جوهر العمل النقابي العمالي ولا بد للعمال من ابداء رأيهم والاشتباك المباشر مع هذه القضايا حفاظاً على مقدرات الوطن ودفاعاً عن دورهم الجوهري والأساسي والذي يحاول البعض حرمانهم منه.

أحسن المؤتمر حينما خصص ندوة متخصصة باستضافة خبراء متخصصين للحديث عن سلبيات الغاء وزارة العمل وخطورة مسودة تعديلات قانون الضمان الاجتماعي، مما عكس حيوية النقابات المستقلة وعماليها وقيادييها ومواكبتهم للقضايا الساخنة ويعبر عن ارادة حقيقية في تقديم مصالح العمال على حساب مجاملة الحكومة والتودد اليها كما تفعل بعض الكيانات النقابية الكرتونية.

ولا بد من الاشارة الى الحضور الفاعل للنشطاء النقابيين والخبراء العماليين والأحزاب وممثلي المنظمات العمالية العربية والدولية مما عكس انفتاح قيادة الاتحاد ومنتسبي النقابات المستقلة على الآخرين وأظهر مدى الحيوية التي يتمتمع بها هؤلاء لاعادة التموضع والتشبيك مع الجميع في سبيل القضايا العمالية والوطنية.

بساطة المؤتمر ومنظميه تعكس قربهم من العمال

ما يثبته مؤتمر اتحاد النقابات العمالية المستقلة هو أن بساطة وشح الامكانيات ليست حاجزاً أمام ممارسة العمال لدورهم وحقهم المشروع في اختيار قيادتهم وتشريع دساتيرهم والحوار مع ضيوفهم في القضايا المصيرية للعمال، فبالرغم من بساطة المكان والضيافة وضعف الامكانيات التكنولوجية الا ان الجميع كان متفاعلاً مسروراً وهو يرى قيادة الاتحاد وعلى رأسهم رئيس الاتحاد يتسابقون لخدمة ضيوفهم والترحيب بهم وضمان القيام بواجب ضيافتهم بعيداً عن ربطات العنق والعطور الفاخرة والخدم والحشم والبرستيج الكاذب الذي تحرص عليه بعض القيادات العمالية المقتاتة على أموال العمال، مما يؤكد على وجوب أن يكون ممثلو العمال ينتمون لطبقة العمال ويعبرون عن ارادتهم ويعيشون وجعهم.

ان قوة المؤتمر وبريقه لم تُستمد من خلال عقده في أفخم الفنادق أو المطاعم والقاعات والمباركة الرسمية له؛ بل من خلال قوة الكلمات والمداخلات والتأكيد على المبادئ العمالية وشهود الجميع على الممارسات الديمقراطية للعمال داخل اتحادهم وعدم تهميش دورهم واقصاء المعارضين منهم!!

ان الأثر الايجابي الذي تركه المؤتمر في نفسي ونفس كل من حضر انما يمكن تبريره بتعطشنا لأي حدث يكون للعمال فيه مساحة للتعبير عن أنفسهم ولا يتم اقصاؤهم ولا ممارسة الوصاية عليهم ومعاملتهم معاملة الجهلاء الذي لا يدركون مصالحهم فيتم مصادرة حقهم في اختيار ممثليهم وتعديل دساتير نقاباتهم.