الحرية هي شريان حياة النقابات العمالية .. لا تقتلوها بقطعه

الحرية هي شريان حياة النقابات العمالية .. لا تقتلوها بقطعه .. حاتم قطيش


حاتم قطيش - رنان

1/11/2022

 خلق الله سبحانه وتعالى البشر أحراراً ومنحهم حرية الاختيار في جميع الأمور وعلى رأسها حرية الاعتقاد " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" ووسع من مساحة الانتقاد والاعتراض وابداء الرأي والحوار حتى في الدين " تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم " ، وعلى هذا النهج ربّى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام فكان منهج الخلفاء من بعده مخاطبة الناس " أطيعوني ما أطعت الله فيكم " و " قوموني ولو بالسيف " ، ولم تكن هذه شعارات نظرية رنانة بل منهج حياة اتبعه صفوة الصحابة الكرام حتى مع أشد الخلفاء وأكثرهم رهبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعندما ظن أحد الصحابة - مجرد ظن - أن الخليفة قد ميز نفسه عن باقي الأمة وتجرأ على زيادة حصته من بيت المال فكان ثوبه أطول من أثواب من حوله وقف بكل شجاعة وقال له " لا سمعاً ولا طاعة "!!.

 هو اعتبر أنه من حقه المحاسبة وواجب على الخليفة الايضاح والبيان، فلا يقع على عاتق عموم الناس اثبات فساد أو خيانة القائد أو من يتولى أمرهم، بل ان اثبات البراءة من أية شبهة فساد أو عبث في المال العام تقع على عاتق من يقوم على أمر هذا المال وبيده صلاحيات انفاقه؛ لذلك لم يعتبر الخليفة عمر بن الخطاب وقوف الرجل في وجهه وأمام العامة وانتقاده بل ورفض طاعته بناءاً على الظن أنه يستوجب العقاب بل تدارك الأمر وعمل بما يقع على عاتقه من بيان الأمر للناس وازالة الشبهات حوله فأمر ابنه بتوضيح أنه قد تبرع لوالده بحصته من القماش ليستخدم عمر القطعتين لتفصيل ثوب يستر جسده الضخم .. نعم هكذا بكل بساطة انتهت كل القصة عندما قام كل شخص بما يتوجب عليه ، الرعية تقوم بالمحاسبة والقيادة تقوم بالمكاشفة.

 النقابات العمالية هي كيانات حرة قامت عندما تحركت جينات الحرية عند العمال ابان الثورة الصناعية فرفضت الذل والظلم وانتزعت حقها في الاعتراض أولاً ثم في رفع ظلم بعض أصحاب العمل؛ فارتبطت هذه الكيانات - النقابات العمالية - في كل العالم بمعاني الحرية والثورة على الظلم وتكريس الديمقراطية داخلها فلا يستقيم أن تطالب هذه النقابات بحقها في الحوار الاجتماعي مثلاً وهي تدار بعقلية الرجل الواحد ولا يعقل أن يمارس من يقوم على ادارة هذه النقابات دور المنظّر فيما يتعلق بالحرية النقابية ثم تراه يقمع من يعارضه من العمال!!، ومن غير المقبول أن تكون هناك نقابات عمالية لا يتم ممارسة تداول السلطة فيها من خلال صناديق الاقتراع؛ فإذا كانت النقابات في كل العالم باعتبارها كيانات ديمقراطية تطالب الحكومات باعتماد صناديق الاقتراع وتدافع عن حرية الاختيار والتداول السلمي للسلطة؛ فكيف يمكن قبول أن يتم تشكيل هذه النقابات وتشكيل لجانها التخصصية كلجان الشباب والمرأة بالتعيين دون الاكتراث لرأي العمال وحقهم في اختيار من يمثلهم!!

ان الحالة التي وصلت اليها العديد من النقابات العمالية - في العديد من البلدان - يرثى لها عندما ارتدت عن النهج الديمقراطي وكرست أسلوب الهيمنة والسيطرة لثلة بسيطة من الأشخاص على كافة أركان هذه النقابات حتى باتت بعض القيادات النقابية تتصرف كأن هذه النقابات ملكية خاصة له ولذريته من بعده وأصبح يمتعض من مجرد سماع صوت يطالب بالشفافية وحق العمال في اختيار ممثليهم وتداول القيادة عبر صناديق الاقتراع، بل ان البعض قد تمادى في النهج الفردي فأصبح يلاحق كل من تسول له نفسه توجيه انتقاد أو المطالبة بممارسة دور الهيئة العامة بالمراقبة والمحاسبة حتى سكن الخوف قلوب العمال بل قلوب النشطاء والقادة النقابيين اما تقرباً من بعض القيادات أو خوفاً من انقطاع بعض الامتيازات أو حتى اتقاء الملاحقة القانونية والإقصاء عن المشهد العمالي برمته!!

من المؤسف أن ترى مقرات النقابات العمالية خالية من العمال وقاعاتها خالية من الجلسات الحوارية واللقاءات التشاورية والمؤتمرات العمالية وترى الصحف المحلية تخلو من الدعوات لاجتماعات الهيئات العامة للنقابات، بل أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي شبه مهجورة من المقالات والمنشورات الناقدة وعدم اكتراث العمال بالقضايا العمالية وتفضيلهم التعليق ومشاركة بث مباشر لافتتاح محل أدوات منزلية طمعاً في أن يفوز بمقلاة أو ابريق شاي!!؛ أقول ان هذه الحالة محزنة ومؤسفة وتعطي انطباعاً أن النقابات العمالية في حالة موت سريري حتى يهيئ الله لها رجالاً أوفياء لا يخافون في الله لومة لائم ويؤمنون بالعمل الجماعي والديمقراطي ويسعون له ، وهي دعوة مني لكل من قُدر له أن يكون في موقع القيادة في النقابات العمالية أن يتقي الله بنفسه وبالعمال وأن يسعى لأن تكون له بصمة في ارساء الحريات النقابية داخل النقابات فالرجال يعرفون بالمواقف والتاريخ لا يرحم والحساب يوم القيامة يكال بالذر.



إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020