حاتم قطيش - "رنان"
15/11/2022
يتردد وصف " المؤثر " هذه الأيام بكثرة خاصة في عهد السوشال ميديا وانتشار فئة شبابية يطلق عليها أو تطلق على نفسها وصف المؤثر، ولا يوجد حتى اللحظة تعريف وتوصيف متفق عليه للمؤثر وانما يتم صرف هذا اللقب أو الوصف للكثير دون حسيب أو رقيب، فهل كل من تولى منصباً هو مؤثر؟ وهل كل من تزعم مجموعة من الناس كان مؤثراً؟ وهل يرتبط وصف المؤثر بمهمة أو وظيفة معينة يقوم بها الشخص ثم يعود غير مؤثر بمجرد مغادرته لها؟! وهل تعتبر اللايكات والتعليقات على السوشال ميديا مؤشراً على أن هذا الشخص مؤثر فعلاً؟
الحقيقة أن جميع الناس يؤثرون ويتأثرون بالغير لذلك كان الحديث الشريف " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " مختصراً للحالة الانسانية التي تتأثر بالبشر من حولها بل تتأثر بالبيئة والمجتمع وحتى الجمادات، ولكن المعنى الاصطلاحي أو ما يتعارف عليه الناس بوصف شخص ما على أنه مؤثر؛ ينبع من كون هذا الشخص يملك من الكاريزما أو الصفات القيادية أو الريادة في مجال ما يجعله يؤثر على غير غيره فيكون قدوة لهم وأحياناً مثلاً أعلى في عيون الشباب.
فيما يتعلق بالقيادات النقابية نجد أن الوسط النقابي العمالي يعج بمن يعرّفون عن أنفسهم أنهم قادة نقابيون، وهناك العشرات من أعضاء الهيئات الإدارية للنقابات العمالية والمئات من أعضاء اللجان النقابية على مستوى المنشآت ناهيك عن العشرات من القيادات النقابية في النقابات العمالية المستقلة أيضاً وباقي الكيانات النقابية العمالية، كما يوجد العشرات أيضاً من القيادات النقابية التي لم يحالفها النجاح في الانتخابات النقابية فأصبح نقابياً سابقاً ، ولكن من بين كل هذه المئات من الشخصيات والقيادات النقابية الحالية والسابقة كم شخصاً ممكن أن نعتبره قائداً نقابياً حقيقياً ومؤثراً ؟
التسلق والواسطة لا يصنعان نقابياً مؤثراً
اذا ما استعرضنا الشخصيات النقابية التي تتصدر المشهد النقابي العمالي في كافة أطيافه وأنواعه سنخلص الى نتيجة أن العديد من هذه الشخصيات انما تولت هذا المنصب القيادي إما نتيجة قرارات معينة مهدت له الطريق وأزاحت القيادات النقابية الكفؤة من طريقه، وإما أنه اتخذ أساليباً ملتوية وغير طبيعية وديمقراطية للوصول للمنصب القيادي النقابي، وإما أن معرفته ورضى بعض الجهات والشخصيات النقابية التاريخية هي التي أوصلته للمنصب القيادي، وحتى لا نكون سوداويين فإن هناك بالفعل قادة نقابيون - وان كانوا قلة- كافحوا وحازوا ثقة العمال ووصلوا للمنصب القيادي من خلال صناديق الاقتراع وباختيار العمال لهم بكل حرية وشفافية.
قالت العرب " ليس الوجيه من تقدم على قومه وانما الوجيه من قدّمه قومه"، لذلك نجد أن العديد من الشخصيات القيادية لم يختارهم العمال بل لا ينظرون اليهم على أنهم وجهاء وقدوات ومؤثرين يصلحون لقيادة العمل النقابي، وهذا ينعكس على أدائهم بعد ذلك فيكونون عبارة عن أشخاص يركنون في الظل لا يسمع لهم العمال صوتاً ولا يتخذون موقفاً صارماً بل ينحصر نشاطهم على اصدار بيانات التأييد والتصفيق لأصحاب العمل أو للحكومة وحضور اجتماع أو ورشة عمل أو حتى سفر!!، فالقيادي النقابي المؤثر الذي نتحدث عنه ونرغب به هو يمتلك من الصفات والكاريزما والمواقف الثابتة والنزاهة ما يجعل العمال ينجذبون اليه و يختارونه ممثلاً لهم فيقدمونه ويثقون به بل ويؤازرون قراراته لثقتهم به.
النقابي المؤثر نبيل لا يباع ويشترى
أن تكون مؤثراً فهذا يتطلب منك أن تكون صاحب قرارات حاسمة مستعداً للنضال والتضحية تقود الناس ولا تنقاد لابتزاز بعض الناس، تتحلى بصفات النزاهة والنبل والتجرد لا تقدم مصلحتك الشخصية على المصلحة العامة تقدم القضايا الكبرى والجماعية ولا تلتفت للقضايا السطحية ، تجيد مخاطبة الناس من غير تمييع ولا تفريط، لا تتملق ولا تتقرب من الأشخاص الذين يتعدون على حقوق العمال، لا يسيل لعابك لبعض المغريات ولا تنقاد خلف طُعم الأعطيات، تنظر للقضايا والحقوق العمالية كونها مقدسة يحرم التنازل عنها أو التعدي عليها، تراقب الله سبحانه وتعالى في السر والعلن فيكون خطابك للعمال هو هو خطابك في الغرف المغلقة لا تبدّل ولا تغيّر ولا تُجمّل. ان هذه الصفات لها شيفرة خاصة لدى العمال القدرة الفطرية على فكها وتحليلها و فهمها واستيعابها دون الحاجة الى خطابات أو منشورات أو حتى بيانات فالأعمال والصفات الصالحة تعرف طريقها الى القلوب.
ان العديد من مواقف النقابي الصادق والمؤثر تكون في الخفاء لا يطلع عليها سوى عدد محدود من الأشخاص، ولكن الله سبحانه مطلع على ما في القلوب، فإذا كنت صادقاً في عملك النقابي سيرضى عنك الله وسيُرضي عنك الناس، وان كنت غير ذلك فسيخسط عليك الله ويُسخط عليك الناس، لا يغرنك القطاريز من حولك وأنت في المنصب فهؤلاء يقتربون منك ابتغاء منفعة أو اتقاء مفسدة ويمكن لك قياس مقدار قبول الناس لك فقط عندما تغادر منصبك وتعود الى صفوف العمال.
التعسف بالقرارات لا تصنع منك نقابياً مؤثراً
أن تكون نقابياً مؤثراً فهذا يعني أن رأيك أو قرارك سيجد له أرضاً خصبه في صفوف العمال حتى وان كنت لا تتقلد أي منصب نقابي، وتعلم أيضاً أنك بشر قد تزيغ عن طريق الحق والصواب فتقبل النقد وتستمع للآخر وتتخذها وسيلة لتحسين وتجويد الأداء وهدية مجانية لكسب قلوب الناس.
أما أولئك الذي لا يحبون سماع النقد ولا يقبلون الرأي الآخر ويقبعون في غرف أوصدوها على أنفسهم اتقاء مجابهة العمال فهم يعيشون فعلاً على هامش التاريخ النقابي ولن تفلح القرارات التي يتخذونها سراً في قبول الناس لهم أو حتى انفضاض الناس عن خصومهم، فهي مسألة وقت حتى تزول الصلاحيات من بين أيديهم فيزدريهم العمال ويندمون حين لا ينفع الندم.
كما أن شرعية العمل النقابي تستمد من خلال العمال والممارسة الحقيقية لحرية التنظيم النقابي ولا تستمد من قرار وزير أو صاحب عمل؛ كذلك فإن القرارات التي يتخذها النقابيون بغية "حرق" غيرهم وإقصائهم وتقديم أنفسهم على أنهم قادة مؤثرون لن تفلح ولن تجدي نفعاً فمن لا يملك صفات النقابي المؤثر ومن لا يملك الاستعداد للتضحية والنضال لن يكون نقابياً مؤثراً وسيأتي اليوم الذي ينفد فيه مداد قلمه ويسحب الختم من بين يديه ولن يبقى له الا ما خط من قرارات ستشهد له أو عليه يوم القيامة .. ستكتب شهادتهم ويُسألون.
احذر أن تكون مؤثراً سلبياً
صحيح أن وصف المؤثر تطلق بالعادة على التأثير الإيجابي، ولكن الخطر الأكبر أن يهبه الله الكاريزما ومواصفات الشخصية الجاذبة ثم يستخدمها لخداع من حوله واستخدامهم مطية للوصول لأهداف شخصية، فكم من خيبة أمل أصيب بها العمال وهم يعولون على شخص كان يقف معهم وينتقد معم ويدافع عنهم وبمجرد وصوله لموقع المسؤولية النقابية انجرف وراء رغباته وانحاز للفاسدين وتوارى عن أنظار المصلحين وبلع طعم الأعطيات والهبات حتى تغيرت نفسه وألفت السكون والركود واستثقلت النضال النقابي وانحاز لمن يحاربون المصلحين وانكسرت عينه عن مواجهة أصحاب العمل وأولياء نعمته من النقابيين التاريخيين، فكما ورد في الحديث الذي أسلفناه في مطلع هذا التقرير " المرء على دين خليله" فإن رأيت النقابي ابتعد عن صفوف العمال وأكثر من مجالسة الفاسدين من النقباء واستطابت نفسه حديثهم ومعاشرتهم، فهذا سيكون ضرره أكثر وسيكون أحد أسباب انكفاء العمال عن النقابات العمالية وعدم اقتناعهم بجدواها وتأكيد ما يروج له البعض أن النقابيين يستخدمون العمال كمطية للوصول لمصالحهم لا أكثر.
نحن بحاجة الى تعزيز كل النقباء المصلحين ودعمهم وتشجيع المترددين منهم ومناصحتهم والوقوف خلفهم حتى لا يكونوا ضعفاء أمام أصحاب العمل ولا يسهل صيدهم واستقطابهم من الفاسدين.
إرسال تعليق