أزمة صناديق التقاعد في الأردن

أزمة صناديق التقاعد في الأردن




د. محمد الزعبي
2/11/2022

بدأت علامات شيخوخة صناديق التقاعد الأردن مبكرا جدا، فها هي صناديق تقاعد الأطباء والمهندسين على وشك الانهيار، وربما يمتد هذا الانهيار لصناديق نقابات مهنية أخرى. أما صندوق الضمان الاجتماعي الذي تم إنشاؤه بعد فترة من انشاء صناديق التقاعد النقابية، فقد مر ويمر حاليا بأزمة بنيوية عميقة، حاول ويحاول إصلاحها من خلال تعديلات قانون الضمان الاجتماعية، لكن هذه التعديلات أتت بعكس ما كان متوقعا حيث لم توقف تدهور نظام الضمان الاجتماعي، بل ربما قد زادت الأمر سوءا عما كانت عليه.

تكمن الأسباب الأساسية لهذا التدهور المبكر في أنظمة التقاعد في الأردن لأسباب مشتركة تتلخص في عدم نضج فلسفة الحماية الاجتماعية المبنية على أساس التضامن الاجتماعي بين فئات المجتمع فيما يخص الضمان الاجتماعي ، وبين أفراد المجتمع الواحد فيما يخص النقابات المهنية.

نشأت صناديق التقاعد المهني في ظل هيمنة نظام الدولة الريعية في الأردن، حيث قدت الدولة لفئات واسعة من المجتمع الأردني أنواع متعددة من الرفاه الاجتماعي السخية بما فيها أنظمة التقاعد العسكري والمدني، كما حصلت النقابات المهنية على حصتها من النظام الريعي تمثلت في كثير من المنافع للمهندسين والأطباء والمحامين.. الخ وخصوصا في القوانين المتعلقة بعمل هؤلاء المهنيين.

لذلك بنيت أنظمة تقاعد هذه النقابات على منافع تقاعدية أكثر مما تحققه اشتراكات أعضائها بأمل تحصيل موارد أخرى لهذه الصناديق من جيوب الحكومة أو المواطنين (المحامين والمهندسين والأطباء)، دون أن تلتفت لوجوب التمييز بالاشتراكات بين أفراد المهنة الواحدة تحقيقا لمبدأ التضامن بين الأفراد في كل مهنة. مما دعا نقابة الأطباء مثلا لتجاهل نص في قانون النقابة يلزمها بتحصيل ما لا يزيد عن 5% من دخول الأطباء.

وهذا ما حدث في الضمان الاجتماعي حيث رفضت الحكومة منذ تأسيس الضمان مساهمتها في تمويل صندوق التقاعد ( رغم أن هذه المساهمة يفترض تأتي من الضرائب على الأغنياء) كما رفضت تطبيق مبدأ التضامن ( بأن يتم التمييز بين المشتركين أو المتقاعدين حب الدخل ) والأكثر من ذلك أنها أصرت على رفع قيمة رواتب المتقاعدين عندما ا<برت الضمان على نقل موظفي الحكومة ( عسكريين ومدنيين) للاشتراك في الضمان بعد الغاء التقاعدين المدني والعسكري، اللذان وصلا لحالة من التدهور بحيث لا تستطيع الحكومات تمويل التقاعدين العسكري والمدني من خزينة الدولة . حيث وصل إنفاق الخزينة للمتقاعدين لما يزيد عن مليار ونصف المليار سنويا.

الأدهى من ذلك أن فئة من الأردنيين يحصلون على رواتب تقاعدية من الجهات الثلاثة: راتب تقاعد من التقاعد العسكري أو المدني، وراتب من الضمان الاجتماعي، وربما راتب أحد النقابات المهنية. وتستمر الدولة عض النظر عن هذه الازدواجية بسبب المعاملة الخاصة لهذه الفئة.

لم يقتصر ضرر النظام الريعي على صناديق التقاعد بما ذكر أعلاه، بل امتد للمواطن الأردني الذ أصبح ينظر لراتب التقاعد بميزة يمكن لها أن يحتكرها بغض النظر أن آلافا غيره لا يحصلون على راتب تقاعدي، وترسخت بالتالي النظرة الفردية، التي تنظر لهذه الصناديق من وجهة نظر ضيقة جدا، فالشخص لا يهمه الا مقدار ما يستفيد بغض النظر عمن يتضرر. وقد ظهر ذلك جليا في صناديق النقابات والشرخ الكبير جدا بين كبار السن المتقاعدين من أطباء ومهندسين الداعون لاستمرار أنظمة التقاعد بأي ثمن، وبين الأطباء والمهندسين الشباب الذين وصل فيهم الأمر للمطالبة بإقفال صناديق التقاعد.

أما في الضمان الاجتماعي فما زالت جميع الحلول المطروحة سريالية وأشد خطرا على الضمن العيوب الموجودة به حالية، فالحكومة مدعومة من البيروقراطيين، ومعها القائمين على مؤسسة الضمان مدعومين من صندوق النقد والبنك الدولي، ما زالوا يرفضون تطبيق مبدأ التضامن (الأساسي في أنظمة الضمان الاجتماعي) بما فيه مساهمة الدولة في تمويله، والتمييز بين المشتركين حسب الدخل.

إن هذه الأنظمة أصبحت مجرد صناديق ادخارية (تمنح رواتب تقاعدية)، ومستقبلها (باستمرار هذا الحال) هو مزيد من الفشل والتدهور، والوصول لطريق مسدود.

ولا خيار لهذه الصناديق حتى تحقق الحماية الاجتماعية لكل المواطنين الأردنيين بمن فيهم أصحاب المهن، الا الاعتماد على مبدأ التضامن بين فئات وأفراد المجتمع.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020