اعتقال النقابيون العماليون .. تكميم للأفواه وتقييد لحرية التنظيم النقابي

اعتقال النقابيون العماليون .. تكميم للأفواه وتقييد لحرية التنظيم النقابي




حاتم قطيش - رنان 
16/12/2022

في ضوء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتخفيض تسعيرة المحروقات سارع اتحاد النقابات العمالية المستقلة بإعلان تضامنه وانضمامه لهذه الاحتجاجات كون المطالب تمس كافة شرائح المجتمع الأردني وعلى رأسهم العمال، حيث كان قادة النقابات العمالية المستقلة في الميدان وبين المحتجين منذ اللحظات الأولى.

وما أن أعلن الاتحاد عن نيته اطلاق مسيرة احتجاجية سلمية دعماً لإضراب قطاعي النقل والشحن من أمام المركز الوطني لحقوق الانسان الى رئاسة الوزراء في الدوار الرابع سارع الاتحاد العام للنقابات العمالية الى التبرؤ من هذه المسيرة  واصفاً النقابات المستقلة أنها أطر غير شرعية تهدف الى ركوب الموجة و تدعو لبث الفتنه بين أبناء الوطن، ونخر جسده الواحد وانتحال مسميات لاستثمار أضراب سائقي الشاحنات والنقل، مؤكداً - أي الاتحاد العام للنقابات العمالية - أنه الممثل الشرعي والوحيد للنقابات العمالية في الأردن وقد قام بدوره في ايصال مطالب السائقين والعاملين في قطاع الشحن الى الحكومة وطالب جميع الأطراف بالتعاون من أجل التوصل الى حلول من شأنها حماية حقوقهم.

يوم الخميس 15/12/2022 الساعة الثانية عشرة والنصف والذي هو موعد انطلاق المسيرة تفاجأ الجميع بتواجد أمني كثيف وتم منع المسيرة واعتقال قياديين في اتحاد النقابات العمالية المستقلة الاردني ووجهت لهم تهماً حسب ما يتداوله البعض منها التحريض وانتحال صفة رسمية (كاتحاد غير معترف به).

تم ترحيل المعتقلين المهندس سليمان الجمعاني رئيس الاتحاد ونائبه سليمان السرياني وأحمد الروسان مسؤول النقابة المستقلة لسائقي العمومي في إربد الى سجن ماركا بعد فشل محاولات تكفيلهم، فيما تم الموافقة على تكفيل أحمد السعدي عضو الهيئة التنفيذية للاتحاد رئيس الاتحاد المستقلة  للعاملين في البلديات.


حرية التنظيم النقابي حق تكفله الاتفاقيات الدولية والدستور الأردني



بالاستناد الى اتفاقيات العمل الدولية فإن للعمال الحق في تكوين منظماتهم دون عراقيل أو ترخيص مسبق، كما تمنح هذه الاتفاقيات للعمال الحق في إنشاء الاتحادات النقابية والانضمام إليها دون قيود أو اشتراطات أو موافقات مسبقة،  ما يعني أنه لا يجوز احتكار تمثيل العمال بجهة معينة بناءاً على قرارات حكومية، فالعمال هم وحدهم من يقرر الجهة والنقابة التي تمثلهم حيث تستمد النقابات شرعيتها من أصوات العمال لا من قرارات وزراء العمل.
أما الدستور الأردني فقد كان صريحاً في حق الأردنيين بتأسيس تنظيم نقابي حر، وان أبسط معاني الحرية هو حرية التأسيس والانضمام لهذه النقابات وبالتالي حق العمال في اختيار النقابة التي تمثلهم وتعبر عن قضاياهم.


حلول أمنية رغم الإعلان عن سلمية المسيرة 



المستغرب والمستهجن هو التدخل الأمني لمنع مسيرة تم الإعلان مسبقاً أنها سلمية وهدفها احتجاجي وتضامني وعليه كان المتوقع حضور الأجهزة الأمنية لحماية وضمان سلامة المحتجين، ولكن تبين أن التحشيد الأمني انما جاء لمنع هذه المسيرة بل واعتقال القائمين عليها!!

تعودنا أن يتم التعامل ومنع مثل هذه المسيرات استناداً لقانون الاجتماعات العامة ، ولكن الملفت هذه المرة أن التهم التي وجهت للمعتقلين حسب ما يتم تداوله هو انتحال صفة رسمية كاتحاد غير معترف به في اشارة ان اتحاد النقابات المستقلة الأردني لم يحصل على موافقة وزارة العمل بتأسيس نقابة بالرغم من دستورية عمله وتوافقه مع اتفاقيات العمل الدولية وبالرغم أيضاً عن عدم اعلانه يوماً أنه ممثل وحيد للعمال؛ بل هو يدافع دائماً عن حرية التنظيم النقابي بما فيها التعددية  النقابية ويعرف عن نفسه أنه يمثل العمال وليس الممثل الحصري للعمال.


التضامن النقابي 

يُعرّف التضامن لغة بأنه التزام الفرد بأداء مهمة عن الآخر عندما يكون الشخص الآخر غير قادر على أداء هذه المهمة، ويشمُل العديد من الجوانب في الحياة، وهو" سلوك إنساني يهدف إلى تخفيف معاناة الناس وآلامهم"، ويُقصد به الاتحاد أو الالتزام، بحيث يُعين الغني الفقير، والقوي يُعين الضعيف، ومن خلاله يُساعد الأشخاص بعضهم بعضاً.

المعادلة سهلة وواضحة : كلما تفكك التضامن العمالي والنقابي كلما انعزلت النقابات عن بعضها البعض وكلما فقد العمال قوتهم الحقيقية  والتي تتمثل بثلاثة ركائز أساسية وهي الحريات النقابية والاضراب والتضامن النقابي الامر الذي ينعكس على أداء هذه النقابات ومدى قناعة العمال بجدواها، مما يؤثر مستقبلاً على شرعية هذه النقابات ومدى تمثيلها الحقيقي للعمال.
ان مصطلح التضامن النقابي سلك طريقه الى الاندثار والانقراض حينما اخذ شكلاً منمقاً ونخبوياً ، فانحصر التضامن النقابي ببيان مقتضب بكلمات باردة ميتة ليس فيها روح نضالية أو كفاحية أو تدوينة محدودة الحروف أو فيسبوكية تتسول اللايكات والكومنتات، وهذا في حقيقته بعيد عن المعنى الحقيقي للتضامن النقابي.

لعل أجمل تعبير عن التضامن النقابي هو الحديث النبوي الشريف (انما يأكل الذئب من الغنم القاصية) ، فكلما اعتدّت النقابة بقوتها الخاصة وانجازاتها السابقة فقط وشعورها باستغنائها عن الآخر؛ كلما اتجهت نحو الضعف والانعزال والانكفاء على الذات والتخلي عن قوتها الحقيقية، وكلما تجرد عمالها من قوتهم الحقيقية التي يملكونها.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020