حاتم قطيش - رنان
4/1/2023
قبل أشهر قليلة شكلت الحكومة لجنة لتحديث القطاع العام يرأسها رئيس الوزراء وعبرت عن توصيات هذه اللجنة ب " خارطة طريق " حيث وضعت أهدافاً محددة وخطة زمنية لتحقيق هذه الأهداف وفق اجراءات واضحة ومبرمجة.
أحد أهم هذه التوصيات وأكثرها جدلاً هو الغاء وزارة العمل؛ حيث يعد هذا الاقتراح والتوصية فريد من نوعه على مستوى العالم أجمع؛ الأمر الذي أدى الى ردات فعل تباينت بين الغضب الشديد والاستنكار وبين التعامل بتهكم على اعتبار عدم واقعية هذا المقترح واستحالة تطبيقه!!
وقد تعدت ردات الفعل على هذا المقترح الغريب حدود الوطن فتعامل العديد من الخبراء والجهات المهتمة بالشؤون العمالية بشكل من الاستهجان والاستغراب والامتعاض بل والتندر أحياناً على امكانية تطبيق هذا الاقتراح الذي من شأنه تقويض الدفاع عن الحقوق العمالية وانتقال الحكومة من موقف الحياد بين أصحاب العمل والعمال الى موقف الانحياز الى أصحاب العمل من خلال تولية الشؤون العمالية الى وزارة الصناعة والتجارة التي أنشئت أصلاً لخدمة أصحاب العمل وتم بناؤها وبلورة رؤيتها وأهدافها لتحقيق غاية خدمة أصحاب العمل مما يعني اضعاف أي حراك عمالي والتعامل معه على أنه يتعارض مع سياسات الوزارة أصلاً، والعجيب أن يطلق على كل هذا العبث أنه " تحديث " .. فأي تناقض هذا.
وسط كل الاحتجاجات المختلفة والمتنوعة على هذا الاقتراح الغريب التزمت الحكومة الصمت - كعادتها- ولم تكلف نفسها عناء مناقشة الخبراء والجهات والوزراء السابقين والمختصين وأخذ وجهة نظرهم على محمل الجد، بل اعتمدت سياسية الأمر الواقع والمضي قدماً بتطبيق خارطة الطريق التي وضعتها لجنة تحديث القطاع العام.
من خلال الخطة الزمنية الموضحة في الأسفل نجد أن اللجنة قد أوصت أن يتم البدء بإجراءات الغاء وزارة العمل في العام 2022 بحيث تنتهي هذه الاجراءات التمهيدية في العام 2024.
أولى هذه الخطوات كان في التشكيل الحكومي الأخير حيث تم الغاء حقيبة وزارة العمل والحاقها الى حقيبة وزارة الصناعة والتجارة والتموين بما يتوافق حرفياً مع الخطوة الأولى من خارطة الطريق.
ثاني هذه الخطوات هو نقل رئاسة مجلس ادارة مؤسسة الضمان الاجتماعي الى وزير الصناعة والتجارة والتموين، وهذا يتم حالياً تطبيقه من خلال التعديلات المقترحة على قانون الضمان الاجتماعي، حيث يتم اقتراح تعديل على المادة (2) من قانون الضمان بتعريف رئيس المجلس أنه رئيس مجلس ادارة المؤسسة بعدما كان ينص صراحة على أن رئيس المجلس هو وزير العمل، كما تم اقتراح تعديل على المادة (9) والتي تتعلق برئاسة مجلس الضمان بعدم حصرها بوزير العمل بل اعطى التعديل الحق لمجلس الوزراء بتسمية "وزير" لرئاسة المجلس.
بإقرار تعديلات قانون الضمان الاجتماعي تكون الحكومة قد أنجزت الخطوة الثانية من خارطة طريق الغاء وزارة العمل والمتعلق بتحويل مهام وزارة العمل الى وزارة الصناعة والتجارة والتموين، ويتبقى خطوة أخرى سيتم تنفيذها خلال العام الحالي 2023 وهي نقل مهام تنظيم العمالة الوافدة ( تصاريح العمل والتفتيش والمخالفات ) الى وزارة الداخلية، وبذلك تكون جميع الإجراءات التمهيدية متحققة وممهدة لإصدار قرار الغاء وزارة العمل رسمياً وبشكل قاطع.
بعد موجة الاحتجاجات على الغاء وزارة العمل برزت بعض التسريبات من الحكومة - على شكل تطمينات - الى بعض النشطاء والشخصيات والمؤسسات أن هناك توجهاً لدى الحكومة بالتراجع عن قرار الغاء وزارة العمل، وقد نجحت هذه التسريبات بامتصاص موجة الاحتجاجات بل توقفها تماماً وشكلت بيئة مناسبة وهادئة للحكومة للمضي بخارطة طريق الغاء وزارة العمل دون تشويش أو ازعاج.
المطلوب من النشطاء النقابيين والأحزاب والحقوقيين ومؤسسات المجتمع المدني ترتيب أوراقهم واعادة التموضع من جديد ووضع خارطة طريق مناوئة للاجراءات الحكومية لإلغاء وزارة العمل وعدم الانتظار لحين صدور القرار النهائي من أجل اصدار بيانات الرفض والشجب والاستنكار التي لن تغني ولن تسمن من جوع.
إرسال تعليق