تعد النقابات العمالية جزءاً أصيلاً من مؤسسات المجتمع المدني ويقع على عاتقها تطوير السياسات والتشريعات التي تعنى بالعمال والمجتمع بشكل عام وعلى جميع الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، كما أنها تقوم بعدة أدوار ومهام وظيفية ومطلبية وتنتهج النضال النقابي للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
الدور الاجتماعي للنقابات العمالية في التشريعات الدولية
العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أكد على حق الأشخاص في تكوين النقابات بالإشتراك مع الآخرين أو الإنضمام للنقابة التي يختارها على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما كفل حق الأشخاص بالضمان الاجتماعي بما في ذلك التأمينات الاجتماعية.
وقد تطرق أيضاً الى وجوب حماية الأمهات خلال فترة معقولة قبل الوضع وبعده ومنحها اجازة مصحوبة باستحقاقات ضمان اجتماعي كافية وأوجب حماية الأطفال من الاستغلال الاجتماعي والاقتصادي، كما أكد على حق الأشخاص في مستوى معيشي كاف لهم ولأسرهم.
أما الاتفاقية 117 بشأن الأهداف والمعايير الأساسية للسياسة الاجتماعية فقد أكدت أن التنمية الاقتصادية يجب أن تكون بمثابة أساس للتقدم الاجتماعي، و ضرورة توجيه جميع السياسات في المقام الأول نحو كفالة رفاه وتنمية السكان وحفز رغبتهم في التقدم الاجتماعي.
وعند الحديث عن تحديد الحد الأدنى لمستويات المعيشة راعت الاتفاقية الاحتياجات الأساسية لأسر العمال كالطعام وقيمته الغذائية والسكن والملابس والرعاية الطبية والتعليم.
الدور الاجتماعي للنقابات العمالية في أنظمتها الداخلية
أما فيما يتعلق بالدساتير والأنظمة الداخلية للنقابات العمالية التي يعتبر وضعها وتعديلها هو حق من حقوق العمال المنتسبين للنقابة؛ ويجب أن يمارسوا هذا الدور بكل حرية ودون ممارسة أية ضغوطات أو قيود من قبل أي شخص أو جهة، كما لا يجب أن تخضع هذه الدساتير الى الاقرار من أية جهة غير الهيئة العامة في النقابة؛ كما هو حاصل - للأسف - في النقابات العمالية الأردنية حيث يشترط قانون العمل موافقة ومصادقة الحكومة على هذه الدساتير والأنظمة حتى تدخل حيز النفاذ!! بل ان الأنظمة الداخلية للنقابات العمالية لا يضعها أعضاء الهيئة العامة لهذه النقابة بل يضعها بالنيابة عنهم الاتحاد العام للنقابات العمالية!!
وبالعودة الى ارتباط هذه الأنظمة والدساتير بالدور الاجتماعي للنقابات العمالية نجد أن النظام الاساسي للاتحاد العام للنقابات العمالية على سبيل المثال مقل في تغطية الدور الاجتماعي للنقابات الا انه نص في مادته الخامس على انشاء صندوق تضامن عمالي مشترك لمساعدة العمال والانفاق منه على مختلف القضايا العمالية والاجتماعية والخيرية ولما يعود عليها بالنفع العام.
أما النظام الموحد للنقابات العمالية فقد كان أكثر توسعاً في الحديث عن الدور الاجتماعي للنقابات العمالية؛ حيث اعتبر أن من دور النقابات العمالية تحسين شروط وظروف العمل وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ورفع المستوى الصحي والاقتصادي والاجتماعي، كما أكد النظام الموحد على دور النقابات العمالية الجوهري في مساعدة الباحثين والعاطلين عن العمل في إيجاد فرص عمل مناسبة.
من البديهي القول ان وجود هيئات عامة قوية في هذه النقابات من شأنه العمل على تفعيل هذه المواد في الأنظمة الداخلية بل وتطوير هذه الأنظمة لتقوم بدورها في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ لذلك فإن حجر الأساس لقيام أية نقابة عمالية بدورها الاجتماعي والاقتصادي هو وجود هيئات عامة فاعلة.
ضعف أداء النقابات العمالية وأثره على الحقوق الاجتماعية للعمال
ان ما ينتظهر ويتوقعه العمال والمجتمع ككل من النقابات العمالية هو تعزيز الحقوق الاجتماعية والدفاع عنها وممارسة دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وان أي تهاون أو نكوص عن هذا الدور سيعود بالسلب على العمال والمجتمع والدولة بشكل عام.
ان قضية مثل ضعف شروط العمل اللائق وضعف معدل الأجور وبالأخص الحد الأدنى للأجور والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجانب الاجتماعي للعمال وتعتبر المحرك الأساس لتحقيق الاحتياجات الأساسية لأسر العمال كالطعام وقيمته الغذائية والسكن والملابس والرعاية الطبية والتعليم؛ أقول ان عدم قيام النقابات العمالية بدورها في تحسين ظروف العمل وخاصة جانب الأجور للعمال من شأنه أن يخلق مشاكل اجتماعية في المجتمع ويزيد من الفجوة الاجتماعية بين شرائح المجتمع.
وان مسألة الحماية الاجتماعية وشمول العمال في الضمان الاجتماعي وتحسين وتجويد هذه الحمايات يجب أن تكون من صلب اهتمامات النقابات العمالية، فبقاء الشريحة الأكبر من العمال خارج التغطية الحمائية وبقاء المظلة الحمائية ضيقة ولا تتوسع أفقياً وعامودياً من شأنه أيضاً أن يخلق مشاكل اجتماعية كان بالإمكان تفاديها لو قامت النقابات العمالية بدورها، فمن غير المعقول والمقبول - على سبيل المثال- اقتراح أية تعديلات على قانون الضمان الاجتماعي لا تعمل على توسيع مظلة الحمايات والتأمينات الاجتماعية؛ ولكن للأسف نجد أن كثيراً من التعديلات المقترحة على قانون الضمان الاجتماعي في السنوات الأخيرة جاءت بهدف تحسين الموقف المالي و تخفيف نفقات مؤسسة الضمان الاجتماعي عن طريق تقليل الانفاق على الحمايات الاجتماعية للعمال؛ مهملة الخيارات الأخرى كزيادة عدد المشتركين في الضمان وبالتالي زيادة مدخلات موازنة المؤسسة.
أزمة الثقة بين العمال والنقابات العمالية
ان شعور العمال بالخذلان المتكرر من أداء بعض النقابات العمالية وضعفها في الدفاع عن حقوقهم خلق أزمة ثقة بين هؤلاء العمال والنقابات؛ فبدلاً من أن تكون الزيادة في أعداد المنتسبين لهذه النقابات تزداد بشكل متسارع ومطرد؛ نجد للأسف تناقصاً في أعداد المنتسبين لهذه النقابات وهذا لا يرتبط بعدم سعي القائمين على النقابات الى زيادة أعداد المنتسبين من خلال خطط استراتيجية واضحة فحسب؛ وانما من خلال انسحاب بعض العمال المنتسبين لهذه النقابات كردة فعل على عدم رضاهم عن أداء هذه النقابات.
ان عدم ممارسة العامل لحقه في انتخاب ممثليه وعدم مشاركته في وضع وتعديل دساتير وأنظمة نقابته وعدم ممارسة دوره الرقابي على الهيئات الادارية ناهيك عن سياسة تكميم الأفواه بالإضافة الى قلة الوعي النقابي لتدفع بعض العمال المترددين من الإنسحاب من النقابات العمالية، وهنا يأتي دور النشطاء والحريصون على النقابات في بث الوعي النقابي والنضال من أجل انقاذ هذه النقابات واعادتها الى مسارها الصحيح بل وانقاذها من العبث ومن بعض الممارسات الخاطئة للقائمين عليها بهدف مد جسور الثقة بين العمال والنقابات.
ان زيادة اعداد المنتسبين أو ما يسمى بزيادة الكثافة النقابية للنقابات العمالية من شأنه أن يخلق حالة من الحراك النقابي داخل هذه النقابات واعادة الحياة النقابية اليها من جديد وممارسة العمال لدورهم في اختيار ممثليهم ونزع الثقة عن المتخاذلين منهم ووضع وتعديل الأنظمة الداخلية لنقاباتهم وممارسة دورهم كهيئات عامة في مراقبة ومحاسبة الهيئات الادارية لتعود النقابات العمالية الى الطليعة وتخلق حالة من التوازن الاجتماعي واعادة ترميم النسيج الاجتماعي واشاعة السلم المجتمعي، وان أية دعوة للانسحاب من هذه النقابات أو الانكفاء عنها انما هي دعوات مشبوهة من شأنها ابقاء هذه النقابات في حالة الضعف والوهن.
إرسال تعليق