حاتم قطيش - رنان
2/3/2023
مجموعة من النمل يقومون بتنفيذ الأوامر وينخرطون في منظومة قرية النمل دون أدنى محاولة لتشغيل العقل ولو لمرة واحدة؛ ومن غير أن تحدثهم أنفسهم عن جدوى ما يقومون به؛ ويلتزمون حتى بالسير على خط المسير الذي شقه لهم من سبقوهم، يتصرفون كأنهم روبوت تم برمجتهم مسبقاً لينخرطوا مع القطيع، أفهموهم أنهم طالما يطأطؤون رؤسهم فإنهم يحافظون على لقمة عيشهم؛ وان حَدَثَتهم أنفسهم بالنظر حتى الى طريق مختلف سيكون سبباً وجيهاً لمحاربتهم ورميهم بأبشع الأوصاف وقذفهم بأقذع التهم والشتائم، فعندما قررت نملة أن تستخدم عقلها وضجرت من صنيعهم الرتيب عديم الفائدة صار الجميع ينظر اليها بازدراء ومنهم من وصفها بالساقطة ومنهم من أراد التقرب لمن هو أعلى منه بمهاجمتها ومحاولة دق عنقها!!! وخرجت الأصوات بين النمل بضرورة اقصاء هذه النملة وعدم بقائها بينهم بعد الآن .. أشاحت النملة المتمردة بوجهها وهي تقول : " هؤلاء المتحمسون الأوغاد ".. ذلك كان ملخصاً لاحدى قصص الكاتب الأردني الراحل محمد طملية في كتابه " المتحمسون الأوغاد ".
في مجتمعاتنا هناك من يشبهون مجموعة النمل في الحماسة العمياء، فتجد متحمسون أوغاد في كل مجال، هناك عمال أوغاد ومسؤولون أوغاد وسياسيون أوغاد وهناك أيضاً .. نقابيون أوغاد.
ان العمل النقابي ينبثق من كونه عمل نضالي بالأساس ويدافع عن حقوق في جلها حقوق انسان، والبديهي أن من يتقدم لهذا الأمر يجب أن يؤمن بداية بحقوق العمال المنبثقة من حقوق الانسان وفي مقدمتها حرية التنظيم النقابي و حرية ابداء الرأي والانتقاد وممارسة الدور الرقابي والمحاسبي على الهيئات التنفيذية في النقابات بشكل عام، ولا بد أيضاً أن يكون الشخص الذي يتصدر العمل النقابي مجبول على الشجاعة والفروسية والاستعداد للنضال والتضحية من أجل القضايا العادلة.
أن يمارس النقابي القمع في حق من يخالفه الرأي ويمارس أبشع أشكال الاقصاء في حق معارضيه، بل انه لا يؤمن ابتداءً في ما يسمى بحرية التعبير .. فهذا نقابي وغد.
أن يكون النقابي متملق متسلق همه الأول التقرب لمن هو أعلى منه ابتغاء متاع قليل من ورشة تدريبية هنا أو سفر هناك أو حتى منفعة مالية أو مجرد الجلوس مع مسؤول!! .. فهذا أيضاً نقابي وغد.
أن لا يبذل النقابي جهده في توفير حرية التعبير لزملائه النقابيين والعمال ولا يطالب بحقهم في حرية اختيار ممثليهم حتى لا يغضب منه الذين يتملق ويتقرب لهم ويعتبرهم أولياء نعمته .. فهذا يا صديقي نقابي وغد.
أن يرمي النقابي بعرض الحائط كل المبادئ النقابية والحقوقية ويتغاضى عن التجاوزات ويسكت وينخرس لسانه عن أموال العمال المهدورة، على أمل أن يلحقه شيء من الأعطيات بل ويفسرها على أنها دبلوماسية وفهلوة في كسب الرزق .. فهذا والله نقابي وغد.
أن يقبل النقابي بأن يداس على دساتير النقابات ويلوى عنق النصوص فيها ويتم تفصيلها لتناسب قياس أشخاص محددين وهو ملتزم للصمت متوارٍ عن الأنظار .. فهذا لعمري انه لنقابي وغد.
وبعد فالأمثلة كثيرة على أصناف النقابيين الأوغاد وهؤلاء كثير في العدد ولكنهم غثاء كغثاء السيل لا يقيم لهم الناس وزناً ولا يرتقون قدراً بل وينحدرون الى الأسافل دركاً، هم كأمثال قطيع النمل المتحمس الذي يبذل كل جهده في تنفيذ ما يظنه يعجب من هو أعلى منه ويبتعد تماماً عن كل ما يعتقد أنه سيغضبهم، بل ويخوض معارك ليست له وبالنيابة عن أولياء نعمته مع أشخاص لم يسيؤوا اليه يوماً وجل ما قد فعلوه أنهم مارسوا واجبهم النقابي ولم ترتضي ضمائرهم السكوت والخضوع كهؤلاء المتحمسون الأوغاد.
إرسال تعليق