لعدم استجابتها لمطالب عمال حديد الأردن .. انسحابات بالجملة من نقابة العاملين في المناجم والتعدين

لعدم استجابتها لمطالب عمال حديد الأردن .. انسحابات بالجملة من نقابة العاملين في المناجم والتعدين


حاتم قطيش -  رنان 

16/3/2023

 تقدم العشرات من عمال شركة حديد الأردن بانسحابهم من النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين احتجاجاً ورفضاً لموقف النقابة السلبي - حسب تعبيرهم - من مطالبهم والتفريط بحقهم في التأمين الصحي والمكتسب منذ سنوات طويلة.

العمال ومنهم أعضاء اللجنة النقابية في الشركة المنسحبين من النقابة قالوا أنهم اضطروا الى هذا الإجراء بعدما أغلقت كل الأبواب في وجوههم ولم تعد النقابة حامية لهم ولا مدافعة عن حقوقهم بل لمسوا انحيازاً من النقابة الى صاحب العمل.


حقوق العمال تضيع بسبب عدم استجابة النقابة


وكانت النقابة العامة للعاملين في المناجم والتعدين قد أبرمت عقد عمل جماعي مع ادارة شركة حديد الأردن في شهر أيلول من العام 2021 تم الاتفاق بموجبه على صرف مستحقات العاملين المترصدة في صندوق الادخارللعام 2021 على رواتب العام 2022 وزيادة أجور العاملين 5% اعتباراً من 1/1/2022 على أن يتم حل صندوق الادخار نهائياً، كما نص عقد العمل على أن يتم صرف رواتب العمال في موعدها و أن لا تزيد مدة التأخير عن اليوم الخامس عشر من الشهر الذي يليه.

وقد أشار العمال في استقالاتهم من النقابة - والتي حصل رنان على نسخ منها-  أنه لم يتم الوفاء والالتزام ببنود عقد العمل الجماعي بل وتمسكت الشركة بتأخير الرواتب عن موعدها واعتبار اليوم الخامس عشر من كل شهر هو تاريخ الصرف المعتمد خلافاً لمضمون عقد العمل الجماعي، ولم تقم النقابة بأي خطوة جادة في هذا الخصوص بالرغم من مراجعة العمال وأعضاء اللجنة النقابية لرئيس النقابة والهيئة الادارية فيها.

 وتنص المادة 46 من قانون العمل على أن يدفع الأجر خلال مدة لا تزيد عن سبعة أيام من تاريخ استحقاقه.


التأمين الصحي .. القشة التي قصمت ظهر البعير 


بالرغم من تذمر العمال من تعاطي الهيئة الإدارية للنقابة العامة مع مطالبهم ولمسهم عدم الجدية في تبنيها؛ الا ان ما فجر غضب العمال هو توقف التأمين الصحي الذي تمتع به العمال وعائلاتهم منذ ما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً، حيث تتعاقد ادارة الشركة مع شركة تأمين يشمل تغطية العمال وعائلاتهم، وآخر عقد تأمين صحي انتهى بتاريخ 13/2/2023 ولم تقم الشركة بتجديد العقد.

وفي جلسة تفاوضية ما بين ادارة الشركة واللجنة النقابية قدمت ادارة الشركة عرضاً على اللجنة بايقاف التأمين الصحي وصرف مبلغ 25 دينار على رواتب العمال ولكن اللجنة النقابية والعمال رفضوا هذا العرض وتم بعدها عقد عدة جلسات ما بين ممثلين عن العمال والادارة تارة وبين اللجنة النقابية والادارة تارة أخرى.

الأمر الذي أثار حفيظة العمال هو موقف النقابة العامة بهذا الخصوص حيث لجأ العمال للنقابة من أجل تبني مطلبهم في الحفاظ على التأمين الصحي لهم ولعائلاتهم الا انهم تفاجؤوا أن أشخاصاً في االنقابة طالبوا العمال بالكف عن فتح موضوع التأمين الصحي ومراعات وضع الشركة المالي المتردي!!؛ الأمر الذي استهجنه العمال فكيف للنقابة أن تسقط هذا الحق للعمال بحجة الوضع المالي المتردي للشركة وبنفس الوقت تقوم ادارة الشركة بمفاوضتهم وتقديم العروض لهم من أجل تجديد التأمين الصحي حيث كان الخلاف مع ادارة الشركة على تفاصيل التأمين وليس مبدأ تجديد التأمين!!.


القوة بيد العمال وليس بيد نقابة لا تمتلك الكثافة العمالية


بعد انسحاب الغالبية العظمى من عمال حديد الأردن من نقابة العاملين في المناجم والتعدين، يبدو أن لدى ادارة الشركة طرفين للتعامل معهم، هناك نقابة عامة وما تبقى من لجنة نقابية يمتلكون حق المفاوضة الجماعية وفتح النزاعات العمالية وابرام عقود العمل الجماعية وتنفيذ اضرابات عمالية بموجب قانون العمل الأردني، ولكنهم يفتقدون للقوة الحقيقية للنقابات العمالية وهي قوة العمال، فكيف للنقابة مثلاً أن تلوح بإضراباً عمالياً دون وجود عمالاً لديهم القدرة والرغبة على تنفيذ هذا الاضراب!!، من جانب آخر لدينا طرف يمتلك القوة على أرض الواقع ولكنه لا يملك التخويل القانوني لخوض مفاوضة جماعية أو ابرام عقود عمل جماعية أو اللجوء الى وزارة العمل لفتح نزاعاً عمالياً أو حتى تنفيذ اضراباً عمالياً بموجب قانون العمل الأردني.

من ناحية أخرى ستكون ادارة الشركة في حيرة من أمرها حيث لديها الآن طرفين لديهم شرعية ، طرف لديه شرعية قانونية وطرف لديه شرعية عمالية؛ فلا هي تستطيع اهمال قانونية النقابة ولا تستطيع أيضاً اهمال شرعية وقوة العمال على أرض الواقع خاصة وأن لديها تجارب سابقة مع العمال الذين نفذوا اضراباً في العام 2021 دون علم النقابة حيث كان اضراباً ناجحاً عمالياً مما أدى لاحقاً الى تدخل النقابة وابرام عقد عمل جماعي بين النقابة والشركة.


الآثار السلبية لتعديلات قانون العمل 


في العام 2019 تم اجراء تعديلات على العديد من مواد قانون العمل التي حصرت حق المفاوضة الجماعية وفتح النزاعات العمالية بالنقابة فقط بعدما كان القانون يمنح هذا الحق لمجموعة من العمال بالاضافة الى النقابة، حيث كان النص القديم يشكل مخرجاً قانونياً لمثل هذه الحالات ، ففي حال قرر العمال أن النقابة لا تمثلهم كان يمكنهم - حسب القانون القديم - تفويض مجموعة من العمال بالمفاوضة باسمهم أو حتى التوجه الى وزارة العمل من أجل فتح نزاعاً عمالياً؛ الا انه في تعديلات قانون العمل 2019 تم سحب البساط من تحت العمال وحصر هذه الصلاحيات بالنقابة والنقابة فقط.

لا شك أن وجود نقابات عمالية منتخبة وقوية وتمتلك الكثافة العمالية التي تخولها خوض المفاوضة الجماعية وفتح النزاعات العمالية وابرام عقود العمل وحتى تنفيذ الاضرابات العمالية؛ لا شك أن هذا الأمر يصب في مصلحة العمال ويقوي من مواقفهم. أما أن نكون أمام خصام عمالي نقابي فإن المستفيد الأول لمثل هذا الخصام والمناكفات هم أصحاب العمل وسيزداد موقف العمال والنقابة ضعفاً وهشاشة.

ان من فوائد وجود نقابات عمالية منتخبة وممثلة للعمال بحق هو تنظيم الاضرابات والاحتجاجات العمالية، ففي دولة المؤسسات والقانون وعندما تنفذ النقابة اضراباً ضمن ضوابط قانون العمل سيكون بالامكان السيطرة على هذه الاضرابات وتقنينها وسيكون صاحب العمل مطمئناً الى امكانية وقف الاضراب بمجرد التوصل الى حلول مع النقابة بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للعمال، أما في حال توجه العمال الى تنفيذ احتجاجات واعتصامات واضرابات عمالية بشكل اجتهادي فإن المشهد سيكون متأزماً فلا النقابة تملك شرعية عمالية تمكنها من وقف الاضراب بعد تنفيذه ولا ادارة الشركة ستكون متحمسة الى خوض مفاوضة مع النقابة لعلمها المسبق أن هذه النقابة لا تمثل الغالبية العظمى من العمال وبالتالي لن يلتفت العمال لأي اتفاق مع النقابة.


العمال لم ينتخبوا الهيئة الادارية للنقابة ولا حتى اللجنة النقابية


على صعيد آخر فإن قوة النقابات تكمن في قوة هيئاتها العامة والكثافة العمالية فيها والتي يمارس العمال فيها حقهم في اختيار ممثليهم، فعندما يقوم العمال بانتخاب ممثليهم بناءً على برنامج انتخابي نقابي تكون نتائج الانتخابات كأنها عقد بين طرفين ( عمال ونقابيين ) ينفذ النقابيون ما وعدوا به ويكونوا مستأمنين على مصالح العمال وحقوقهم وصرف أموال اشتراكاتهم، بالمقابل يمارس العمال دورهم في مراقبة أداء هؤلاء النقابيين ومحاسبتهم بل وحجب الثقة عنهم في حال رأوا منهم تقصيراً.

من العوامل التي ساعدت على تأجيج الخلاف بين العمال والنقابة هي شعور العمال أن هذه النقابة لا تمثلهم كونهم لم يشاركوا في انتخابهم مما ولد لديهم شعوراً في الغربة داخل نقابتهم ففضلوا مغادرتها وشق طريق نضالهم العمالي بمعزل عنها.

يذكر أن ستة عشر نقابة عمالية من أصل سبعة عشر نقابة تم تشكيل هيئاتها الادارية بالتزكية ودون اجراء انتخابات فعلية في العام 2020 وأن النقابة الوحيدة التي أجرت انتخابات عمالية هي نقابة العاملين بالكهرباء حيث نفذ العمال عدة وقفات احتجاجية ولجؤوا الى مجلس النواب ولجنة العمل النيابية من أجل انتزاع حقهم في اختيار ممثليهم، وبالفعل استطاع العمال ممارسة حقهم في انتخاب ممثليهم النقابيين واستطاعوا اسقاط رئيس النقابة السابق وغالبية أعضاء الهيئة الادارية السابقة.






إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020