ضعف التنظيم النقابي وغياب العمال عن قضايا الأمة



حاتم قطيش - "رنان"

12/10/2023

لم تكن الكثرة يوماً مقياساً للقوة ان هي كانت مبعثرة ومشتتة وانما يتحدث التاريخ دوماً عن النخب المنظّمة ذات الرؤية الثاقبة والتخطيط السليم والقوة ذات الأهداف الواضحة، ففي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها». فقال قائل: ومِن قلة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن»، بينما أثنى في حديث آخر عن القوة المؤثرة وأسماها " طائفة " في حديثه صلى الله عليه وسلم " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

اذا ما رجعنا الى تاريخ تأسيس النقابات العمالية في العام نجد ان الظلم الذي وقع على العمال قبل انشاء النقابات العمالية كان يقع على عموم العمال وأعدادهم ضخمة؛ ولكن الفئة التي أخذت على عاتقها حمل راية التغيير وانشاء النقابات العمالية كانت فئة قليلة ولكنها آمنت أن الوحدة والتنظيم النقابي هو السبيل الوحيد لخلق ما يسمى قوة العمال التي يمكن لهم أن يواجهوا غطرسة وظلم بعض أصحاب العمل.


النقابات العمالية هي كيانات تنظيمية


 الفكرة التي تقوم عليها النقابات العمالية هي التنظيم بمعنى أنها ككيانات عمالية تحكمها دساتير وضعت بشكل مؤسسي تنظيمي ويقوم على تنفيذها نقابيون تم انتخابهم ضمن استحقاق انتخابي وبشكل منظم، بالاضافة الى أن الحلقة التنظيمية تكتمل بتمتع الهيئات العامة للنقابات العمالية حق مراقبة ومساءلة ومحاسبة هؤلاء النقابيين، وبذلك نلاحظ أن النسيج التنظيمي داخل هذه النقابات هو نسيج محكم ومتناغم وينبني على بعض، فوجود هيئات عامة واعية وقوية وتمارس حقها في التنظيم النقابي سيفرز نقابيون أقوياء يديرون هذه النقابات وفق رؤية الهيئة العامة وتحت مراقبتها ووجود هيئات عامة وهيئات ادارية قوية بالتأكيد سيفرز دساتير نقابية محكمة ومتقدمة وتعزز حرية التنظيم النقابي لا تقوضه.

المراقب لأحوال النقابات العمالية على مستوى عالمنا العربي ليجد أنها - غالباً - كيانات فردانية وتدار بعقلية الرجل الواحد (one man show)، وتحكمها دساتير لا تعزز حرية التنظيم النقابي وتتعامل مع القضايا العمالية ببرود أفقدها ثقة العمال من حولها وأزال هيبتها من عيون أصحاب العمل والحكومات، وان هذا الحال لهو أقرب لما يمكن تسميته الفوضى الخلاقة المخطط لها التي تبقي هذه النقابات موجودة كجسم ولكنها خاوية وفارغة روحاً وتنظيماً بل وأحياناً كثيرة تكون خاوية حتى من العمال أنفسهم!!


غياب التضامن النقابي


 انطلاقاً من كون التضامن هو " سلوك إنساني يهدف إلى تخفيف معاناة الناس وآلامهم"، والذي يُقصد به الاتحاد أو الالتزام، بحيث يُعين الغني الفقير، والقوي يُعين الضعيف، ومن خلاله يُساعد الأشخاص بعضهم بعضاً.

ان شيوع مفهوم التضامن لهو من أساسيات النقابات العمالية فالعمال يتضامنون مع بعضهم والنقابيون يدعمون ويتضامنون مع العمال والنقابات تتضامن مع بعضها البعض، فإذا ما تحقق شيوع مفهوم التضامن، سيتروى أصحاب العمل قبل الحاق الأذى أو الظلم بأي عامل وسيتروى من التقليل من شأن النقابات العمالية كونها - الأخيرة - تستند الى قوة العمال وتضامنهم مع بعضهم البعض.

كذلك الأمر فإن النقابات العمالية القوية تتضامن مع تلك التي تخوض نزاعات عمالية مع أصحاب العمل فيقوى موقفهم وتتعزز قوة عمالهم ، وكذا فإن الحركة النقابية القوية المستندة الى تنظيم نقابي قوي ستكون سنداً وعوناً لتلك الكيانات النقابية في دول أخرى فتضامن الحركة النقابية على مستوى العالم عموماً وعلى مستوى الوطن العربي على وجه الخصوص ليمهد الطريق الى تجويد التشريعات العمالية الوطنية وابرام اتفاقيات عمالية عربية وأخرى دولية تحسن وتطور وتدعم حرية التنظيم النقابي وتعزز العدالة والحرية.


قوة العمال هي عماد التنظيمات النقابية القوية


عند الحديث عن تنظيم نقابي عمال قوي فإنه يتوجب التطرق الى قوة العمال، فالعمال الأقوياء في معرفتهم ووعيهم وممارستهم لحرية التنظيم النقابي سيدعمون التنظيمات النقابية المتينة وسيقوضون أي جهد من شأنه شرذمة الجهود النقابية وتفتيتها وسيتجهون نحو الوحدة والاتحاد والتضامن بدلاً من الفرقة والتشتت والتشرذم.

ان الحديث عن علاقة التنظيمات القوية بقوة العمال هو أشبه بالسؤال الأزلي حول من هو قبل الدجاجة أم البيضة؟ّ! ، لا شك أن العلاقة تكاملية بين التنظيمات القوية وقوة العمال؛ فوجود عمال أقوياء هي ركيزة أساسية لوجود تنظيم نقابي عمالي قوي وأيضاً وجود التنظيم النقابي العمالي القوي هو داعم أساسي لتنمية وتطوير قوة العمال، وبهذا فإن طرفي المعادلة ( النقابيون والعمال ) يتحملون مسؤولية ضعف النقابات العمالية، فالنقابيون الأقوياء الصادقون الشرفاء مدانون ان هم لم يدعموا ركائز القوة في الكيان النقابي وأولها قوة العمال من حيث تطويرهم وتوعيتهم واتاحة المجال لهم لممارسة دورهم النقابي، ثم ان وجود عمال أقوياء في نقابات عمالية ضعيفة فإنهم أيضاً مدانون ان لم ينتزعوا حقوقهم ويمارسون دورهم وارغام من يقوم على هذه النقابات من احترام ارادتهم ومنحهم صلاحياتهم والتي أساسها حقهم في ممارسة حرية التنظيم النقابي من خلال الحرية في انتخاب النقابيون الذين يمثلونهم.


النقابات العمالية والغياب عن قضايا الأمة


لا يجوز بحال أن تتصرف النقابات العمالية وكأنها جزر معزولة عن باقي مكونات المجتمع والأمة؛ فعلى المستوى الوطني يجب على النقابات العمالية أن تتفاعل مع القضايا العامة للمجتمع وتدعم أسس العدالة والحرية للجميع كما يتوجب عليها الوقوف في وجه و مساندة أولئك الذين يقفون في وجه الظلم .

أما على المستوى القومي فإن النقابات العمالية بوصفها من أقوى الكيانات التنظيمية التي -يفترض- تمثل أكبر شريحة في كل المجتمعات وهي شريحة الطبقة العاملة، فيتوجب عليها التفاعل مع قضايا الأمة والشعوب المقهوة والمظلومة وتدعم حق الشعوب في الحرية والعدالة وتقرير المصير.

ان المناخ العام للنقابات العمالية العربية مهيأ الى الوحدة والتضامن ولا يبرر حالة التشتت والتشرذم والأنا التي تسيطر على عقلية من يسيطرون على هذه النقابات؛ فكيانات عمالية تنتسب الى جذور تاريخية وعرقية ودينية واحدة ويتكلمون لغة واحدة أحرى بهم أن يشكلوا جبهة نقابية عمالية عربية متينة ومتماسكة.

ان المتتبع للأحداث الجارية حالياً في قطاع غزة ليحتاج الى جهد مضنٍ من أجل تتبع مواقف النقابات العمالية حول ما يجري لعله يجد بياناً خجولاً هنا أو تصريحاً على عجل هناك، حتى الاتحاد العربي للنقابات وبالرغم من أن دستوره يدعم العدالة والحرية ويساند حق الشعوب في حق تقرير المصير؛ الا ان التحرك الجماعي والوحدوي لم يكن على المستوى المطلوب، وهذا متوقع كون كثير من الاتحاد العمالية المنتسبة اليه هي بالأساس في حالة عزلة عن عمالها ولا تمارس دورها التضامني والوحدوي على مستوى كياناتها النقابية.

 ما يجري من عدوان همجي على قطاع غزة ليتطلب تحركاً نوعياً من النقابات العمالية العربية في توعية وتحشيد عمالها وتنظيم الفعاليات التضامنية واطلاق الحملات الاعلامية والتواصل مع المنظمات الدولية لتشكيل حشد دولي تجاه القضية الفلسطينية العادلة؛ فإذا كانت جل المنظمات الدولية تدعي أنها تقوم على أساس العدالة والحرية فأي قضية أولى من القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين للعيش بحرية وكرامة على أرضهم ودحر المحتل الصهيوني منها.



اقرأ أيضاً:




إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020