المقاطعة انعتاق من التبعية وتعزيز لقوة العمال .. أين النقابات العمالية منه؟!

المقاطعة انعتاق من التبعية وتعزيز قوة العمال .. أين النقابات العمالية منه؟!


حاتم قطيش - رنان

8/11/2023

ينتشر بين المهتمين في عالم العمل مصطلح " مستقبل العمل " حيث يعكف الخبراء على استشراف مستقبل العمل في العالم ويقيمون الورشات التدريبية والمؤتمرات بهدف التمهيد لهذا المستقبل في ظل توسع انتشار التطور التكنولوجي؛ ليضمنوا انتقال آمن للعمال وضمان ولوجهم لهذا المستقبل بأمان.

الخبراء في مستقبل العمل يتوقعون أن يتسبب التطور التكنولوجي الى اختفاء ملايين الوظائف وأشكال العمل مما يعني فقدان ملايين العمال لوظائفهم؛ ولكنهم في الوقت ذاته يتوقعون أن يتم استحداث ملايين الوظائف وأشكال العمل الجديدة مما يعني استحداث ملايين فرص العمل أيضاً، وعليه يقع على كاهل الحكومات وأصحاب العمل والنقابات العمالية على وجه الخصوص مسؤولية اعداد العمال لأشكال العمل الجديدة.


المقاطعة تستحدث فرص عمل وتدعم الاقتصاد الوطني


عند كل دعوة لمقاطعة الشركات الصهيونية أو تلك المطبعة مع الكيان يخرج المخذلون بدموع التماسيح يتباكون على أن الاضرار بهذه الشركات سيدفع ثمنه العمال؛ حيث اذا تضرر الموقف المالي لهذه الشركات فإنها ستضطر الى تقليص نشاطها الاقتصادي وبالتالي تقليل أعداد العمال مما يعني زيادة معدل البطالة وتكدس شباب جدد على أرصفة الباحثين عن عمل!!، وقد يكون الكلام فيه نوع من الاقناع اذا ما نظرنا اليه نظرة سطحية عاطفية؛ ولكن وبعيداً عن أن قرار المقاطعة ينبع من ارادة وطنية وتقع ضمن النضال المعنوي والاقتصادي وعلى من يلبس "لامة" النضال أن يكون جاهزاً للتضحية والفداء وليس للتكسب والتنعم وتسجيل المواقف فقط.
ومع ذلك فإنه وبنظرة معمقة لموضوع المقاطعة للشركات المطبعة والمتصهينة ومع تقليل لنشاطها الاقتصادي تكون الفرصة مواتية لشركات وطنية أن تدخل الأسواق العربية الحرة وتطرح بدائلها وتثبت كفاءتها، وعليه فإن اقبال الناس على المنتجات الوطنية سيطور من نشاطها الاقتصادي وتستحدث فرص عمل جديدة قد تستوعب أولئك الذين تم الاستغناء عنهم من الشركات المتصهينة أو يزيد، وعليه فإن قرار المقاطعة للشركات المتصهينة والمطبعة هو قرار وطني بامتياز.

المقاطعة ترسيخ للحرية واسقاط للتبعية



ان الرهان والسعي الدائم عند الشركات الاقتصادية هو الوصول لدرجة اقتناع الناس أن هذا المنتج لا مثيل له ولا يمكن لأي منتج محلي أن يصل الى الجودة التي يصل اليها هذا المنتج، وعلى أرض الواقع نحن نكون أسرى لهذه الأفكار بل وندعمها في الوقت ذاته؛ فمن جهة يتملكنا شعور داخلي أننا لا نستطيع الاستغناء عن هذا المنتج ونرفض حتى فكرة تجربة غيره وننساق أحياناً وراء هذه الفكرة لاعتبارات اجتماعية ومحاولة اثبات أن الشخص الذي يشتري هذا المنتج ينتمي لطبقة اجتماعية معينة وعليه سيكون من الصعب عليه التنازل عن كل هذه الحواجز النفسية والقيود المعنوية لمجرد التفكير بتجرية منتجات وطنية لا تتمتع بالبريق الدعائي الذي يتمتع به المنتج المتصهين.
ان اتخاذ قرار المقاطعة للمنتجات الصهيونية والمطبعة يعتبر قرار انعتاق من التبعية وتكسير لكل القيود التي قيدنا بها أنفسنا، وبالنظر الى أن الحركة العمالية تنطلق من قاعدة النضال ضد الظلم والتبعية وتنشد الحرية والاستقلالية؛ فإن مبدأ المقاطعة بشكل عام ينسجم مع مبادئ الحركة العمالية فلا أجد أولى من النقابات العمالية في تبني حملات المقاطعة للمنتجات والشركات المتصهينة والمطبعة ولا أجد أولى من العمال في خوض غمار هذا النوع من النضال.

المقاطعة أداة نقابية تعزز قوة العمال


ان ما يميز الحركة النقابية والنقابات العمالية بشكل عام كونها كيانات تنظيمية وليست عشوائية، ما يعني أن قرار المقاطعة ابتداءاً لأي شركة أو منتج يجدر أن يكون قراراً مؤسسياً ناجماً عن حوار نقابي بعيداً عن العشوائية وردات الفعل المتسرعة فيكون بذلك أقرب للصوابية والموضوعية وبعيداً عن تصفية الحسابات الشخصية.
ان النقابات العمالية التي تنتهج الحرية النقابية في هيئاتها الداخلية تتمتع بنسيج تنظيمي نقابي متين فيكون القادة النقابيين قد تم انتخابهم من رحم العمال ويعبرون عن ارادتهم وان أي قرار نقابي سواء بالمقاطعة أو غيرها سيجد التزاماً من قبل العمال لأنهم يثقون بقاداتهم النقابيين وهذا من شأنه تعزيز ما يسمى قوة العمال حيث يعلم القادة النقابيون أن خلفهم هيئات عامة تراقب أداءهم وقراراتهم ضمن أطر دستورية تنظيمية مؤسسية فلا مجال لشخصنة القرارات النقابية .
لطالما دعونا الى تجديد الأدوات النقابية وعدم التقيد بالأدوات التقليدية - على فضلها - وان تجديد الخطاب النقابي يتطلب تجديد الدماء النقابية وبالتالي انتاج أدوات نقابية جديدة وفاعلة، ولعل من أبرز عوامل جمود النقابات العمالية هو تمترس كبار السن على سدة قيادة هذه النقابات ووضع العراقيل أو عزوف الشباب عن الانخراط فيها والتعامل معها على أنها حصون مشيدة لمصالح فئة من كبار السن المتقاعدين بل والتعامل مع بعضها على أنها مؤسسات عائلية لخدمة القائد النقابي وأبناءه وبناته وأزواج بناته وأنسباؤه ومن دار في فلكه ابتغاء مصلحة أو منفعة.
ان افتقار النقابات العمالية لعامل الشباب وغيابهم عن صنع القرار فيها يجعل التجديد في الأدوات النقابية صعباً، بينما النقابات التي تتدفق فيها دماء الشباب الثائر المناضل لا تفتأ تستحدث أدوات نقابية ابداعية جديدة، وان من هذه الأدوات النقابية التي يجب أن تفكر النقابات بشكل جدي في ادراجها من ضمن أدواتها هو المقاطعة؛ والمقصود هنا المقاطعة بعموم معناها وليس فقط مقاطعة الشركات المتصهينة أو المطبعة فقط.
هب أن النقابات العمالية لديها قائمة من الشركات وأصحاب العمل الذي تتكرر عندهم الانتهاكات العمالية ويخالفون قانون العمل ولا يلتزمون بعقود العمل الجماعية المبرمة ولا يوفرون بيئة عمال لائقة، أقول هب أن النقابات أدرجت هذه الشركات ضمن قائمة سنوية تصدر عنها وتدعو العمال الى عدم العمل فيها كون بيئة العمل فيها غير آمنة ولا حتى لائقة، وأيضاً تدعو المواطنين الى عدم التعاطي مع منتجات هذه الشركات كون منتجاتها ملطخة بانتهاكات عمالية وربما ظروف عمل جبرية وأن أرباح هذه الشركات مسروقة من جهد وعرق العمال، كما يمكن للنقابات التأثير على قرارات الحكومة بمنح تراخيص لهذه الشركات أو احالة عطاءات عليها .. الخ
جميع أصحاب العمل والشركات يسعون لتكوين صورة "Image" عنهم وعن منتجاتهم وينفقون الملايين لترويج هذه الصورة لتنطبع في أذهان الناس والعملاء؛ وان ادراج النقابات العمالية لسلاح المقاطعة للشركات التي تتكرر فيها انتهاكات عمالية سيعصف بهذه الشركات وتجبرها الى احترام القوانين ومنح العمال حقوقهم وتحمل مسؤلياتهم في توفير عالم عمل آمن.

ان قرار المقاطعة بشكل عام هو أداة فاعلة وسلاح حضاري فاعل للانعتاق من التبعية للشركات العالمية ودعم الشركات الوطنية وأحد حلول تفاقم البطالة وارتفاع الأسعار والاحتكار، وهو أداة فاعلة أثبتت نجاعتها وان أهم ما يمكن أن تحققه المقاطعة هو تعزيز قوة العمال واظهار متانة وقوة التنظيمات النقابية وهو أحد وسائل دعم الاقتصاد الوطني ومكافحة البطالة .. فهل من مدكر

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020