حاتم قطيش - رنان
13/11/2023
من وحي معركة طوفان الأقصى وفي ظل ما نشاهده ونرقبه من بطولات وانجازات للمقاومة الفلسطينية رغم شح الامكانات وضعف الموارد في حرب غير متكافئة لترسم مشهداً بطولياً حري بكل من يروم العزة أن يستقي منها الدروس والعبر.
لطالما اشتكى العمال والنقابات العمالية بشكل عام من شح الموارد وقلة الإمكانات وضيق ذات اليد، ولطالما انكفأ العديد من العمال عن الانخراط في النقابات العمالية بحجة أن خصومهم من أصحاب العمل ذوو نفوذ عال وامكانيات متقدمة ولا جدوى من محاولة معاندة ومجابهة جبروت بعض أصحاب العمل من قبل عمال ضعفاء لا حول لهم ولا قوة.
ان ما سطره أبطال المقاومة الفلسطينية في معركة طوفان الأقصى قد أقام الحجة علينا جميعاً وأزال الغشاوة عن عيوننا وأظهر المشهد على حقيقته فالقوة تستمد من الحق والجلَد يستمد من الإيمان والاستدامة تستمد من قوة التنظيم والنصر يستمد من المصابرة والصبر، ولعلي في هذه السطور القليلة أسلط الضوء على بعض ما يمكننا كعمال وتنظيمات ونقابات عمالية تعلمه من دروس تضيء لنا طريق النضال العمالي وتجمع شتات جهودنا المبعثرة وتقوي عزائم من خارت عزائمه وانقطع أمله وخارت قواه.
أهمية التخطيط ومغادرة مربع رد الفعل
بالرجوع الى حقيقة أن النقابات العمالية هي تنظيمات مجتمعية وليست مجموعات شللية أو تجمعات عشوائية أو مشاريع تنفيعية؛ تبرز أهمية أن يسير هذا التنظيم وفق خطة تنسجم مع أهداف وغايات هذ التنظيم ويتم برمجتها زمنياً لتحقيق هذه الأهداف والغايات.
كنت قد كررت سابقاً مقولة " ان لم تكن لك خطتك الخاصة، ستكون حتماً وسيلة في خطط الآخرين" ، وهكذا هي الحياة فإن من يخطط جيداً يرسم خارطة الطريق له ولمن حوله وربما لخصومه أيضاً، تخيل أن العديد من النقابات العمالية لا يملكون خطة مرحلية ولا حتى استراتيجية يسعون الى تحقيقها ويناقشون أهدافها ووسائلها ويقيمون ما تحقق منها والعقبات التي حالت دون ذلك .. هم قد أعفوا أنفسهم تماماً عن كل هذه التفاصيل وتراهم يجتمعون مرة واحدة في الشهر يناقشون - على عجل - ما يستجد من مشاكل عمالية ويتقاسمون فيما بينهم عروض السفر وورشات العمل والدورات المعروضة عليهم من قبل منظمات كانت قد أدرجتها ضمن خطتها، ثم يتناولون طعام الغداء قد يتبعه حوار معمق حول جودة الطعام ثم ينصرفون؛ واذا ما تم عرض انتهاكاً عمالياً يستوجب تحركاً نقابياً ترى وجوههم كالذي يغشى عليه من الموت ولسان حالهم يقول " ما لهذا جئنا"!!
بالعودة الى طوفان الأقصى نرى أن الانتصار المبكر الذي سجله المقاومون هناك نبع من كونهم أعدوا خطة محكمة بكامل تفاصيلها عكفوا على دراستها أشهر طويلة تخللها نقاشات وحوارات وربما شجارات حتى توصلوا الى صيغة نهائية توافق عليها الجميع وما ان جاءت ساعة الصفر تحرك كل فرد ليقوم بالمهمة المحددة التي تم تكليفه بها، لا أقول أنه وبوجود الخطط تنعدم الأخطاء .. كلا على الاطلاق، انما بوجود خطة متوافق عليها تكون الى الصوابية والواقعية أقرب، ولعل ما يلفت الانتباه في خطة مجاهدوا معركة طوفان الأقصى هو انتقالهم من مربع رد الفعل الى مربع الفعل والمبادرة، ولعل هذا ما أعطى خطتهم زخماً وقوة وتأثيراً.
المطلوب من النقابات العمالية أن تكون لها خطتها الخاصة المنبثقة من أهدافها وغاياتها وترجمة للبرامج الانتخابية التي روج لها النقابيون ابان الانتخابات النقابية، كما يتوجب عليهم مغادرة مربع رد الفعل وانتظار أصحاب العمل ليقوموا بانتهاكات ضد العمال ليتحركوا هم بعد ذلك.
وحدة التنظيم بقوة أفراده
يميل العديد الى استخدام مصطلح "نسيج " ليعبر عن شكل العلاقات التنظيمة التي تربط أفراد أي تنظيم مع بعضهم البعض من جهة ومع قيادة هذا التنظيم من جهة أخرى، فكلما كانت هذه العلاقات التنظيمة قوية ومتماسكة ومنسجمة وعبر الأطر التنظيمية الصحيحة كان هذا "النسيج " متماسكاً ومتيناً ذا شكل هندسي متناعم ومتناسق، واذا كانت هذه العلاقات التنظيمية يغلب عليها الشللية والمنفعة والمحسوبية ولم تراعي التدرج التنظيمي وتتجاوز كل الأعراف التنظيمية كان هذا " النسيج " مشوهاً عشوائياً متهتكاً واهناً كبيت العنكبوت.
ان ما أظهره مجاهدوا المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر فضلاً عن كونه انتصاراً عسكرياً منقطع النظير، الا انه يشكل لوحة فسيفسائية خلابة تعكس انسجام سلاح الأمن السيبراني مع مطلقي الصواريخ وطياروا الطائرات الشراعية ومقتحموا الأسوار والأسلاك الشائكة من المجاهدين الى قوافل الدعم اللوجستي .. الخ
أقول ان هذه اللوحة الجميلة ما كان لها أن تظهر بهذا البهاء لولا أن كل فرد كان يقوم بواجبه على أكمل وجه وعرف هدفه وواجبه ولم يتجاوزها بل اعتقاد كل فرد فيهم أنه مهما بلغت أهمية المهمة الموكلة اليه فإنها ستكون عديمة الفائدة ان هي انسلخت عن باقي مهام الأفراد في التنظيم، فانعكست قوة الأفراد على قوة التنظيم وبالعكس أيضاً انعكست قوة التنظيم على انضاج قوة الأفراد.
اذا أسقطنا هذه الرؤية على النقابات العمالية لنجد أن سبب فشل وضعف وتشرذم غالبية النقابات العمالية هي ضعف البناء التنظيمي النقابي الداخلي بالاضافة الى ضعف العمال المنضوين تحت لوائها، ناهيك عن سطوة التشريعات التي تكبل أيدي العمال والنقابات.
ان قيادات عمالية جاءت بالتعيين أو قل ان شئت " التزكية" وبغير ارادة حرة وحقيقية للعمال ومن خلال صناديق الاقتراع؛ حري بهذه القيادات أن تكون منسلخة عن ارادة العمال لا تعبر عن آمالهم ولا تشعر بآلامهم، وان عمالاً لا يقوون على فرض ارادتهم بانتخاب من يمثلهم ومحاسبتهم والمشاركة الفاعلة بوضع خطط نقابتهم لهم عمالاً ضعفاء مسلوبي الإرادة لن تقوم لهم قائمة ان هم بقوا على سلبيتهم وضعفهم.
ان رأس مال النقابات العمالية هو ما يسمى " قوة العمال " وان هذه القوة لا تأتي عادة عن طريق منح أو عطايا، بل تأتي نتيجة نضال نقابي ومدافعة وتضحية ينتزع العمال فيها حقوقهم في ادارة نقاباتهم.
الاعلام سلاح فتاك
مما يبعث على الحزن ويدمي القلب أن بعض النقابات العمالية لا تزال تتعامل مع الاعلام النقابي على أنه ترف، ومع أن العالم قد أصبح عبارة عن قرية صغيرة بالفعل الا ان العديد من القادة النقابيين لا يزالون يفضلون التواري عن الأنظار داخل نقاباتهم المحصنة، ومع التقدم التكنولوجي المتسارع ودخول الذكاء الاصطناعي والسوشال ميديا الا ان العديد من ديناصورات النقابات يفضلون التمسك بالأدوات النقابية التقليدية كالاقتصار على البيانات الورقية .. تخيل أن العامل الذي يرغب بمتابعة أخبار نقابته وخاصة فيما يتعلق باعلانات الانتخابات مثلاً عليه أن يقطع عشرات وربما مئات الكيلومترات ليشاهد لوحة الاعلانات في مبنى النقابة.
من غير المعقول - ولا اللائق - أن يكون هناك اتحاد عمالي ليس له موقع رسمي على الانترنت، ومن غير المقبول أن تبقى الدساتير النقابية تتجاهل كل وسائل التواصل الاجتماعي ولا تكرسها كوسيلة رسمية للتواصل مع العمال ونشر البيانات والاعلانات النقابية ثم نأتي بعد ذلك ونعقد ورشات العمل التي تتحدث عن مستقبل العمل!!، بالمقابل هناك الكثير من الجهود النقابية التي يقوم بها العمال والنشطاء النقابيين واللجان النقابية في المواقع ليس لها أي تأثير على الرأي العام كونها لم تغطى اعلامياً ولم يتم تسليط الضوء عليها بشكل عمالي نقابي احترافي، بينما يبرع أصحاب العمل بترويج وجهة نظرهم من خلال تسخير بعض الإعلاميين والمواقع الالكترونية لنقل وجهة نظر أصحاب العمل للرأي العام وقطع الطريق بل تشويه المطالب العمالية وتجريمها.
ان معركة طوفان الأقصى وبالتوازي مع انجازها العسكري الكبير كان لها انجازاً اعلامياً لا يقل أهمية عن الانجاز العسكري؛ فالجميع أدرك أهمية التوثيق الاعلامي للانجازات على الأرض، فلو قرأت خبراً مفاده أن فصائل المقاومة قد دمرت دبابة أو آلية عسكرية لربما مر هذا الخبر على مسامعك مر الكرام خاصة في ظل الكم الهائل من الأخبار الحقيقية والمزيفة التي يمتلئ بها الفضاء الالكتروني ولكن أن تشاهد لحظة انطلاق المجاهدين واستعدادهم وتصويبهم للدبابة ثم ترى النيران تندلع فيها فإن الخبر سيكون أوثق والمصادقية أعلى والأثر أكبر.
في جميع عمليات الاقتحام للمواقع الصهيونية والتفجير للآليات العسكرية كان هناك جنوداً مددجين بالأسلحة والصواريخ وكان معهم أيضاً جنوداً مدججين بالكاميرات توثق الصورة وتخلد النصر وتوئد أكاذيب وخزعبلات العدو الصهيوني في مهدها.
ان طريق النضال النقابي هو طريق محفوف بالمخاطر والتضحيات ولا بد لاولئك الذين يرغبون بتصدر المشهد النقابي العمالي أن تكون لديهم الإرادة الكافية والاستعداد الكامل لتقديم التضحيات، فلا نصر بلا ثمن ولحظة قطف الثمر يسبقها ساعات وأيام من العمل المضني والذي قد لا يكتب له النجاح.
ان المجاهد الذي أخذ على عاتقه التربص بالمحتل في معركة غير متكافئة ليعلم علم اليقين أن النصر قد لا يكتب على يديه في هذه المعركة وانما هو يقوم بواجبه ويعبد الطريق لمن بعده ليكمل طريق الجهاد حتى النصر، وكذ النقابي عليه أن يتخلى عن فكرة ربط النجاح بقطف الثمر، فقد تبذل الساعات والأيام والأشهر والسنوات وأن تؤسس لعمل نقابي مؤسسي وتهيئ عمالاً ونقابيين يفهمون العمل النقابي على أنه سبيل تضحية وفداء لا سبيل تكسب ورياء حتى يكتب الله للنقابات العمالية أن تتحرر من سطوة من يريد اختطافها لنفسه وأقاربه لتبقى منجزاً وطنياً يتحمل مسؤوليته في نهضة الوطن.
إرسال تعليق