نظام العمل المرن، حافظ على حقوق العمال .. وهمش دورهم!!!

العمل المرن



  حاتم قطيش - "رنان"

26/6/2024


أقر مجلس الوزراء في جلسته يوم الثلاثاء 25/6/2024 نظام العمل المرن للعام 2024 ناسخاً بذلك العمل في نظام العمل المرن للعام 2017، وسيدخل هذا النظام حيز التنفيذ عند نشره في الجريدة الرسمية.
من الجدير بالذكر أن أول نظام عمل مرن تم اقراره في العام 2017 بقي حبيس الأدراج ولم يطبق على أرض الواقع حتى جاءت جائحة كورونا فأجبرت الجميع عن البحث عن حلول استثنائية لضمان سير العمل وكان من بين هذه الحلول تفعيل نظام العمل المرن؛ ولكن التطبيق الفعلي لهذا النظام آنذاك كان منفصلاً عن مواد النظام حيث برزت الحاجة الى اجراء تعديلات جوهرية على النظام بما يحقق الانتقال الآمن لمستقبل العمل والحفاظ على الحقوق العمالية.


العمل المرن وقانون العمل 


 من المعروف تشريعياً أن الأنظمة تصدر استناداً الى قوانين، ونظراً لأن نظام العمل المرن الذي صدر في العام 2017 لم يكن يستند الى قانون مما شكل ثغرة تشريعية، برزت الحاجة الى تعديل قانون العمل الأردني وعندما سنحت الفرصة في العام 2019 تم اقتراح ادراج العمل المرن ضمن التعديلات المقترحة على قانون العمل.
وبالفعل تم تعديل المادة (2) من قانون العمل وادراج تعريف خاص بالعمل المرن وأشكال عقود العمل المرن وفق نظام يصدر لهذه الغاية.
وبحسب التسلسل التشريعي و بعد اقرار قانون العمل رقم 14 لسنة 2019 أصبح لازماً اصدار نظام العمل المرن بما يتوافق مع قانون العمل.

مرونة أكثر وشمول فئات جديدة من العمال في العمل المرن 


من أكثر الملاحظات على النظام القديم (2017) أنه لم يكن نظاماً مرناً كفاية لتنظيم العمل المرن كأحد أشكال العمل الجديدة المستحدثة في مستقبل العمل، وانما كان يتضمن مواداً تتعارض مع فكرة العمل المرن كاشتراط مضي العامل ثلاث سنوات متصلة لدى صاحب العمل كي يستحق أن ينطبق عليه نظام العمل المرن؛ الأمر الذي يشكل عائقاً كبيراً - غير مبرر- ، وقد أحسن المشرع في حذف هذا الشرط مما يضمن شمول النظام لجميع العاملين بغض النظر عن مدة خدمتهم المتصلة.
من الأمور الملفتة في النظام الجديد شموله فئات أكثر من العمال مما يضفي مرونة أكبر في تطبيق هذا النظام وضمان عدم مغادرة فئات عمالية لسوق العمل بسبب ظروف طارئة مؤقتة كالالتحاق بأحد البرامج الأكاديمية والمهنية مما يعني امكانية احتفاظ هذا العامل بوظيفته وأجره مع ضمان قيامه بواجباته الوظيفية أثناء التحاقه بهذه البرامج مما يعينه على التطور الأكاديمي والمهني دون الحاجة الى الاستغناء عن الوظيفة أو حتى الاقتراض لتغطية التزاماته المالية نحو دراسته وعائلته.
كما شمل النظام الجديد المرأة المرضع كأحد المستفيدين من نظام العمل المرن؛ الأمر الذي يتيح لهذه المرأة الحفاظ على عملها وأجرها وعدم مغادرة سوق العمل بسبب الالتزامات العائلية خاصة نحو أطفالها الرضع، كما أن النظام لم يقتصر في رعاية الأطفال على شمول المرأة العاملة فقط وانما شمل الرجل أيضا مما يعزز دور الرجل في رعاية أسرته وعدم مغادرته سوق العمل واللجوء الى التقاعد المبكر بسبب اضطراره رعاية أطفاله، أو حتى الطلب من زوجته العاملة مغادرة سوق العمل للتفرغ لرعاية الأطفال لضمان بقائه معيلاً أساسياً للعائلة.
ان شمول هذه الفئات يحافظ بشكل مباشر على استقرار سوق العمل وعدم هجرة الكفاءات وتقليل اللجوء الى الاجازات بدون راتب لضمان الوفاء بالالتزامات العائلية والدراسية للعمال وعدم مغادرة المرأة لسوق العمل لظروف طارئة مؤقتة يمكن تجاوزها بسهولة عند تطبيق نظام العمل المرن.


حماية أجور وشروط عمل لائق وبيئة عمل آمنة


من الأمور الايجابية الملفتة في نظام العمل المرن للعام 2024 ما تضمنته الفقرة ب من المادة 6 والتي تحظر على صاحب العمل تحويل صفة عقد العمل إلى العمل المرن أو بالعكس، إذاكان ذلك من شأنه أن ينتقص من حقوق العامل المنصوص عليها في القانون، كما حظرت الفقرة ب من المادة 8 التمييزبين العاملين عملاً مرنًا والعاملين عملاً غير مرن.

ومن الاضافات النوعية في نظام العمل المرن ما تحدثت عنه الفقرة ج من المادة 8 والتي  ضمنت خصوصية العاملين في استخدامهم لأجهزة الحاسوب أو الوسائل الإلكترونية أثناء تأدية عملهم، مما يساهم في خلق بيئة عمل آمنة وتحد من أحد أشكال العنف والتحرش التي قد تمارس على العاملين بشكل الكتروني.
ولعل من أبرز الأمور الايجابية في نظام العمل المرن 2024 عدم ربطه بتخفيض أجور العاملين كما نص عليه نظام 2017، فقد أغفل النظام الجديد أي حديث عن تخفيض أجور وعزز ذلك بمنع صاحب العمل من الانتقاص من حقوق العاملين.

 تغييب الحوار الاجتماعي وتوسيع صلاحيات الوزير وتهميش دور اللجنة الثلاثية


لا يزال صاحب القرار لا يلتفت الى أهمية مأسسة الحوار الاجتماعي وتكريسه في اقرار التشريعات، فما تمارسه الحكومة من فتح باب الملاحظات على موقع ديوان التشريع أو حتى الاعلان عن الترحيب باستقبال الملاحظات أو عقد بعض جلسات الاستماع والدردشة حول نسخة جاهزة من النظام؛ أقول أن هذه الممارسات ليست هي الحوار الاجتماعي المقصود والمطلوب.
نريد حواراً اجتماعياً يعبر عن شراكة حقيقية بحيث يساهم الخبراء في صياغة مسودة القانون أو النظام منذ البداية وتجري جلسات حوار حقيقي يجمع أطراف الانتاج الثلاثة ( حكومة وأصحاب عمل وعمال ) تنجم عنه مسودة نظام يلبي مصالح كل هذه الأطراف بما يساهم بانتاج تشريعات متقدمة مصاغة بروح وطنية مسؤولة.
من ناحية أخرى لا تزال الحكومة وعبر القوانين والأنظمة التي تم اقرارها مؤخراً تسير في نهج توسيع صلاحيات الوزير المعني وتهميش دور القضاء تارة - كما حدث في قانون العمل - وتهميش دور العمال من خلال الغاء أي دور للجنة الثلاثية -المؤلفة من الحكومة وأصحاب العمل وممثلي العمال- في الاشراف على تطبيق نظام العمل المرن!

مستقبل العمل ودور النقابات العمالية


 تشير الدراسات أنه بتغير اتجاه العمل وشكل الوظائف الحديثة المتأثرة بالتغير التكنولوجي فإن 40% الى 60% من الوظائف معرضة لخطر الأتمتة، ولكن الواقع أن هذه الأتمتة ستستبعد المهام وأشكال العمل وليس الوظائف بحد ذاتها ، مما يعني أن تطوراً هائلاً سيطرأ على أشكال العمل في المستقبل وبالتالي يتوجب العمل مبكراً من قبل جميع الأطراف والنقابات العمالية على وجه الخصوص الى تأمين " انتقال آمن " للعمال من أشكال العمل الحالية الى أشكال العمل المستقبلية ومحاولة تجاوز بعض المشاكل والعقبات التي قد تؤثر في نوعية الوظائف وانعدام المساواة بين الذين يستطيعون الوصول اليها ويتمتعون بالمهارات لاستخدامها مقارنة بآخرين محرومين من ذلك تجزئة اليد العاملة بسبب "التايلورية الرقمية" و التفاوت في الوصول "مثل الوصول الى الانترنت"، وعدم تكافؤ الفرص والتفاوت في التدريب " التغير التكنولوجي المنحاز للمهارات".
يتوجب على النقابات العمالية التوقف عن التعامل مع مستقبل العمل على أنه ترف فكري وحديث عن مستقبل بعيد قد لا يأتي، وانما يجب البحث عن أسرع الطرق وآمنها لضمان انتقال آمن لأشكال العمل وعدم تأثير ذلك بشكل سليي على العمال خاصة فيما يخص معايير العمل والحمايات الاجتماعية وانعدام المساواة والمنافسة غير العادلة نظراً لعدم تمتع جميع العمال بالمهارات التكنولوجية أو امكانية الوصول للانترنت وغيرها من التحديات.

اقرأ أيضاً:




إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020