رفع الأجور الطبية .. تراجع في الحمايات الاجتماعية واختبار للنقابات العمالية

رفع الأجور الطبية .. تراجع في الحمايات الاجتماعية واختبار للنقابات العمالية


حاتم قطيش - "رنان"

1/7/2024

 نشرت الجريدة الرسمية اللائحة الطبية الجديدة والتي سيتم بموجبها رفع الأجور الطبية بنسية 60% مقسمة على ثلاث مراحل؛ بحيث سيتم الرفع بنسبة 20% في العام 2024 و20% أخرى في العام 2025 و20% اضافية في العام 2026، بمعنى أن الرفع النهائي سيكون بعد عام ونصف من الآن وليس ثلاث سنوات كما يروج البعض!!.

يتيح القانون لنقابة الأطباء رفع لائحة الأجور ويتم اعتمادها بعد موافقة مجلس الوزراء، وصحيح أن الأجراء التي قامت به النقابة متوافق مع القانون الا انه يفتح باب تساؤل كبير حول صحة هذا المسار التشريعي بأن يقوم المستفيد من الأجور باتخاذ قرار رفع الأجور بمعزل عن باقي الشركاء الاجتماعيين من متلقي الخدمة ودافعي الأجور الطبية من شركات تأمين وقطاع عام وصناديق تأمينات خاصة وحتى أفراداً واكتفاء الحكومة بدور المصادقة أو عدم المصادقة على هذه الأجور؛ الأمر الذي بات يستلزم الدفع باتجاه تعديل هذا القانون ليكون أكثر عدالة وحاكمية.


تراجع في الحمايات الاجتماعية للعمال 


تعاني الطبقة العاملة من ضعف الحمايات الاجتماعية وعدم شمول كافة العمال تحت مظلة هذه الحمايات، ولعل من أبرز هذه الحمايات هو التأمين الصحي، فإذا ما علمنا أن ثلث الأردنيين هم خارج أي تغطية تأمين صحي أصلاً وأغلب هذه الفئة هي من العمال وعائلاتهم وخاصة أولئك الذين يعملون في القطاعات غير المنظمة.

ان هؤلاء العمال الذين هم خارج مظلة الحماية الاجتماعي يتحملون عبء العلاج لهم ولعائلاتهم على نفقتهم الخاصة اذا ما اضطروا الى ذلك، ولكنهم في الوضع "المحتمل" يصابرون على المرض لقلة الحيلة وأحياناً يلجؤون الى صيدلية الحي يتناولون بعض المسكنات يتصابرون بها على مرضهم، بل ان هناك عمالاً محالين الى التقاعد لجؤوا الى بيع رواتبهم التقاعدية بغية تأمين علاج لأحد أفراد أسرهم.

اننا في ظل رفع الأجور الطبية سنجد أنفسنا - مجدداً- أمام انكماش آخر في مظلة الحمايات الاجتماعية بعد الانكماشات السابقة التي تسببت بها تعديلات قانون الضمان الاجتماعي وقانون العمل في السنوات القليلة الماضية!!!


تدني الأجور وثبات الحد الأدنى للأجور


في ظل تدني متوسط الأجور والذي لا يتجاوز 570 دينار أردني وفي ظل قرار اللجنة الثلاثية تجميد الحد الأدنى للأجور على 260 حتى العام 2026 والتوجه الحكومي لرفع فاتورة الكهرباء تحت مسمى التعرفة المرتبطة بالزمن وفي ظل الارتفاع شبه الشهري للوقود، ناهيك عن ارتفاع السلع التموينية في السوق المحلية؛ نجد أننا ننحدر بتسارع غير مسبوق بالمستوى المعيشي للعمال؛ ثم نكلل كل ذلك برفع الأجور الطبية وكأننا -زطمنا- عنق الزجاجة - ما غيره-  بتحميلة جافة حتى لا نسمع لأنينهم همساً.

في الأمراض المناعية يعتاد المريض على مستوى من الألم وتدني أو تعطل بعض الوظائف في جسده ولكنه أيضاً بين الفينة والأخرى قد يتعرض لما يسمى " الهجمات " بسبب خلل في جهازه المناعي فتنتكس حالته وتزداد سوءاً؛ ولعل العمال اليوم هم أشبه ما يكون بمريض الأمراض المناعية الذي اعتاد مواجهة صعوبة الحياة منفرداً ضعيفاً متصابراً، ولكنه أيضاً يتعرض بين الفينة والأخرى " لهجمات" انتكاسية على شكل ضعف أجور أو ارتفاع أسعار أو ارتفاع نسبة بطالة أو ارتفاع الوقود أو ارتفاع فاتورة الكهرباء أو انحسار مظلة الحماية الاجتماعية .. الخ؛ فتضاعف كل هجمة من معاناته وتزيد من ضعفه وهزالته وتضعف من قدرته على المقاومة والصمود.

بالمحصلة فإن مدخلات مشوهة كتدني أجور وغياب لظروف عمل لائقة وضعف الحماية الاجتماعية وغلاء أسعار وارتفاع نسبة التضخم وتراجع في التغطية والقدرة العلاجية للعمال ستؤدي بالضرورة لمخرجات مشوهة أيضاً كضعف الانتاج ومغادرة سوق العمل وزيادة أصابات العمال والتوسع في التقاعد المبكر ومخالفة القوانين كبيع الرواتب التقاعدية ..الخ


أين النقابات العمالية ؟؟!!


شئنا أم أبينا فإن الحصن المنيع الذي "يجب" أن يلجأ اليه العمال في كل محنة هي النقابات العمالية والتي يجب أن تشكل لهم درعاً منيعاً تدافع عن حقوقهم ولا تسمح بالمساس بها وتقف بجانبهم لا أمامهم، تدعمهم لا تدعسهم، تنتصر لهم لا عليهم، أقول في كل محنة يمر بها العمال تتجدد الحاجة الى وجود نقابات عمالية قوية تمثل العمال حق تمثيل وتخرج من رحم المعاناة لا من مدارج الطائرات وفنادق الخمسة نجوم.

لا بد اليوم من حراك عمالي فاعل تقوده النقابات العمالية ترجع الأمور الى نصابها الصحيح وتكسر الجمود عن الحد الأدنى للأجور وتحسن من ظروف العمل من خلال تعديلات جوهرية على قانون العمل وتوسع من مظلة الحمايات الاجتماعية من خلال تعديلات حقيقية على قانون الضمان الاجتماعي وتدافع عن حق العمال في الرعاية الصحية فتعد خطة عاجلة منذ هذه اللحظة لمواجهة الارتدادات المتوقعة لقرار رفع الأجور الطبية كتعطيل بعض أصحاب العمل لصناديق التأمين الصحي لديها أو تقليل المنافع الطبية أو رفع نسب التحمل على العمال .. الخ ؛ أقول ان مثل هذه الارتدادات المتوقعة لا تواجه ببيان مقتضب على مواقع التواصل الاجتماعي بل باعدادا خطة محكمة تبدأ بالحوار الاجتماعي مع كافة الأطياف وتنتهي - ان لزم الأمر- بالنزول الى الشوارع والصدح بصوت عال لاسماع صوت العمال لمن لا يرغب بسماعه... فهل تفعلها النقابات العمالية ؟!

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020