تعديلات جديدة على قانون العمل .. اختبار للنواب والأحزاب والنقابات العمالية

تعديلات جديدة على قانون العمل .. اختبار للنواب والأحزاب والنقابات العمالية


رنان - 26.08.2024

 أعلنت الحكومة موافقتها على المشروع المعدل على قانون العمل للعام 2024 المقدم من قبل وزارة العمل لتبدأ في الأيام والأسابيع القادمة الرحلة التشريعية للمشروع ليصار الى اقراره ودخوله حيز التنفيذ، ويشار أن قانون العمل قد تم تعديله نحو 12 مرة كان آخرها في العام 2021 حيث كان الطابع العام لهذه التعديلات منحازاً الى أصحاب العمل ويحقق مصالحهم على حساب مصالح وحقوق العمال.

قانون العمل والاستقرار التشريعي 

صحيح أن قانون العمل يجب أن يكون مرناً ويواكب التغييرات المستمرة على سوق العمل وعلاقات العمل؛ ولكن في الوقت ذاته فإن التعديلات الكثيرة في فترات زمنية قصيرة قد تشير الى قصور هذا القانون وتؤكد على ضرورة اعادة النظر في مواده بشكل كامل وشامل وعدم الاستمرار في سياسة الترقيع المستمرة التي لا تصحح مساراً ولا ترسخ حقوقاً.

لطالما طالب الحقوقيون والنشطاء النقابيون ومؤسسات المجتمع المدني المهتمة في الشؤون العمالية بالتوقف عن سياسة الترقيع في تعديلات قانون العمل وفتح حوار اجتماعي حقيقي لاعادة صياغة قانون عمل عصري يراعي حقوق الانسان ويرسخ شروط العمل اللائق ويعزز الحريات النقابية، الا ان الحاصل هو تجاهل كل هذه الدعوات واتباع سياسة الهروب الى الأمام من خلال اقتراح تعديلات جديدة ثم تعديلات على التعديلات ثم ملحق لهذه التعديلات!!


المطلوب حواراً اجتماعياً وليس جلسات دردشة واستماع 


لا تزال الحكومة لا تستمع للمطالبات العديدة بقوننة وترسيح الحوار الاجتماعي عند اقتراح مشاريع القوانين بحيث يشارك الجميع في صياغة هذه المشاريع، جلسات حوار تكون أقرب الى جلسات تفاوضية بين الشركاء الاجتماعيين وأطراف الانتاج المختلفة والحقوقيين والنشطاء بهدف الوصول على صياغة قانون عصري يلبي مصالح الجميع ويحقق التوازن التشريعي ويحافظ على النسيج المجتمعي ويتم التعامل معه على أنه عقد اجتماعي يتوافق عليه الجميع ويسعون على تطويره وتحسينه.

ان ما تقوم به الحكومة في كل مرة لا يمكن اعتباره حواراً اجتماعياً فاعلاً وحقيقياً؛ بل سمّه ان شئت جلسات دردشة حول مشروع القانون أو حملة ترويجية لمشروع القانون ، وفي أحسن الأحوال قد تعتبر جلسات استماع وتسجيل ملاحظات غير ملزمة لا يتم الأخذ بها غالباً بل يقتصر دور ممثلي الحكومة في هذه الجلسات على الدفاع عن مواد مشروع القانون وتفنيد أي انتقاد، ثم يتم استغلال هذه الجلسات لإظهار أن مشروع القانون تم بعد جلسات حوارية عديدة مع أصحاب الاختصاص؛ لا يهم كم عدد الملاحظات التي تم الأخذ بها بل المهم هو عدد الجلسات ورمزية الحاضرين.


تعديلات لأغراض الدعاية والترويج فقط


في كل مرة يتم تقديم مشروع معدل لقانون العمل نلاحظ وجود بعض المواد الإيجابية وذلك لأغراض الترويج والدعاية لهذا المشروع ويتم وضعها في صدر التعديلات وتحتل الوقت الأكبر عند الحديث عن هذه التعديلات لتكوين صورة عند المتلقي أن الصبغة العامة للتعديلات المرتقبة هي صبغة ايجابية وتحقق مزيداً من الحقوق العمالية؛ أما المواد التي فيها انتقاص للحقوق العمالية وتعتبر انحيازاً لأصحاب العمل أو تزيد من صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية والقضائية فيتم المرور عنها مرور الكرام ووسمها بمصطلحات عامة فضفاضة لا تعبر عن ماهية هذه المواد؛ ثم وبعد مرور مشروع القانون في مراحل التشريع الدستورية ابتداءاً من مجلس النواب الى مجلس الأعيان ثم الارداة الملكية نتفاجأ أن العديد من المواد الإيجابية التي تم ترويج القانون باسمها سقطت خلال هذه الرحلة وتم الإبقاء على المواد التي تنتقص من الحقوق العمالية!!!

وفي مشروع القانون المقترح نجد أن الحديث يتركز حول زيادة اجازة الأمومة عدة أيام وعدم انهاء خدمات المرأة الحامل حتى لوكانت في الأشهر الأولى والحديث عن اجازة مدفوعة الأجر لثلاثة أيام في حال وفاة الأقارب من الدرجة الأولى، كما تم تجويد المادة التي تتحدث عن الحالات التي يجوز لصاحب العمل فصل العامل دون اشعار باضافة عبارة  "أو بأي شكل من أشكال الاعتداء الجنسي أو التحرش الجنسي المعاقب عليه بموجب أحكام التشريعات النافذة"، والتي قد تساعد في توفير بيئة عمل لائقة خالية من العنف والتحرش؛ مع العلم أنه لو تم اعتماد المصطلحات الواردة في اتفاقية العمل الدولية رقم 190 لكفتهم.


توسيع صلاحيات الوزير على حساب القضاء والنواب وتحمل الضمان الاجتماعي فاتورة رواتب تقاعدية اضافية


من خلال حديث وزيرة العمل عن مشروع القانون المعدل لقانون العمل تحدثت عن اصدار نظام يحدد الحالات التي يعتبر الفصل تعسفياَ وايضا يحدد حقوق ومستحقات العامل في حال ثبوت أنه فصل تعسفي؛ وهذا التعديل كفيل بتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية وتحجيم دور السلطة التشريعية والسلطة القضائية فيما يتعلق بالفصل التعسفي لتكون قرارات الفصل التعسفي تخضع لتقديرات السلطة التنفيذية وقابلة للتوسيع والزيادة والتعديل المستمر كونها ستصدر على شكل نظام حيث اصدار الأنظمة هو من صلاحيات السلطة التنفيذية وليس التشريعية؛ الأمر الذي يقوض الأمان الوظيفي للعمال ويسهل عملية انهاء العمل وبالتالي ينعكس انعكاساً سلبياً على الحمايات الاجتماعية للطبقة العاملة.

كما تسمح التعديلات على القانون لصاحب العمل الذي تقتضي ظروفه الاقتصادية أو الفنية تقليص حجم العمل أو استبدال نظام إنتاج بآخر أو التوقف نهائيًا عن العمل بـ "إنهاء عقود عمل ما لا يزيد على (15%) من عدد العاملين لديه ولمرة واحدة فقط في السنة شريطة إبلاغ الوزارة بذلك، وفي حال التكرار في نفس السنة عليه التقدم بطلب إلى لجنة يشكلها الوزير، بمعنى أننا سنكون أمام انهاء عقود بالجملة لعاملين في القطاع الخاص على غرار انهاء خدمات العاملين في القطاع العام بحجة الترشيق الحكومي ، وذلك يعتبر مسماراً اضافياً يدق في نعش الضمان الاجتماعي وزيادة فاتورة التقاعد المبكر لهؤلاء الذين سيتم الاستغناء عن خدماتهم وسيتم الاستغناء عن كل الدراسات الاكتوارية للضمان الاجتماعي فيما يتعلق بفاتورة التقاعد المبكر حيث سيكون الباب مشرعاً لزيادة الفاتورة التقاعدية للمؤسسة وتقريب نقطة التعادل التي تهدد استدامة الضمان الاجتماعي.
أما العمال غير الأردنيين فتم زيادة القيود عليهم باشتراط حصولهم على تصريح عمل حتى لو كان حاصلاً على مزاولة مهنة وهم أيضاً  أصبحوا أكثر عرضة للتسفير الفوري بقرار من الوزير.

توقيت التعديلات يضع الجميع أمام اختبار حقيقي


لا شك أن توقيت الاعلان عن المشروع المعدل لقانون العمل هو توقيت حرج وحساس ويضع الجميع أمام اختبار حقيقي؛ فنحن في هذه الأسابيع أمام استحقاق انتخاب مجلس النواب الذي سيكون الخطوة التشريعية الأولى في مناقشة واقرار هذا المشروع، وبالتالي فإن النواب الذين لم يجف الحبر الذي كتب فيه بياناتهم الانتخابية وربما لم تزل يافطاتهم الدعائية معلقة في الشوارع هم أمام تحدي كبير وسريع بأن يكون قانون العمل على رأس قائمة أجندتهم النيابية وسيشكل تعاطيهم مع هذه التعديلات صورة واقعية لما سيكون أداؤهم خلال الأربع سنوات القادمة.
من ناحية أخرى فإن الاتحاد العام للنقابات العمالية قد أعلن قبل أسابيع قليلة عن انتخاب قيادة جديدة للاتحاد؛ وهاهو يجد نفسه أمام اختبار حقيقي وسريع أيضاً من خلال تعامله مع صلب أولوياته واهتماماته - يفترض ذلك - من خلال مناقشة تعديلات قانون العمل وفرض نفسه كلاعب مهم في التصدي للتعديلات التي تنتهك الحقوق العمالية وعن ابتكاره لأساليب اعتراضية جديدة ومغادرة الأداء الكلاسيكي التي تعودنا عليه من قبل الاتحاد باصدار بيانات لا يقرؤها أحد ولا تؤثر على مسار اقرار التشريعات.
أيضاً فإن العديد من الأحزاب التي تشكلت مؤخراً اتخذت من الحقوق العمالية منصة للوقوف عليها ومخاطبة مشاعر الجماهير العمالية الكادحة لحصد أصواتهم الانتخابية، فهل ينجح هؤلاء بتشكيل ائتلاف يجمع جميع هذه الأحزاب بالاضافة للنقابات العمالية ومؤسسات المجتمع المدني والنشطاء النقابيين لرد مشروع القانون والدفع باتجاه فتح قانون العمل على مصراعيه وفتح حوار اجتماعي حقيقي ينتج قانون عمل عصري يحفظ حقوق العمال ويرسخ للعدالة ويراعي شروط العمل اللائق ويحافظ على بيئة عمل آمنة خالية من أي شكل من أشكال العنف والتحرش .

النقابات العمالية ولجانها النقابية


بالتزامن مع التعديلات المتكررة على قانون العمل خلال السنوات القليلة الماضية، فقد واكب ذلك تعديلات جوهرية على النظام الموحد للنقابات العمالية؛ قلصت من صلاحياتها وهمشت من دور اللجان النقابية فيها ما يترك انطباعاً أن الاتحاد العام للنقابات العمالية هو المسؤول الأوحد عن العمال وتحولت النقابات العمالية ولجانها الى مجرد أدوات لتنفيذ تعليمات الاتحاد حسب ما أشار المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريره السنوي العشرين لحالة حقوق الإنسان في الأردن للعام 2023.
ان الهيئات الإدارية واللجان النقابية على وجه الخصوص مطالبة اليوم بتحمل واجبها النقابي والدفع بالوقوف بوجه أية تعديلات من شأنها الانتقاص من الحقوق العمالية وتهديد أمنهم الوظيفي والتوسع بالفصل التعسفي والمخاطرة بأموال صندوق الضمان الاجتماعي، ولم يعد مقبولاً حالة السكون المريبة التي تعيشها النقابات العمالية وتخلي غالبية النقابيين عن الروح النضالية واكتفاءهم بدور نخبوي محصور في أروقة الفنادق وقاعات المغادرين والقادمين في المطارات.

إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020