تعديلات قانون العمل تلغي الحماية عن النقابيين

تعديلات قانون العمل تلغي الحماية عن النقابيين


رنان - 23/9/2024

  من أخطر التعديلات المقترحة على قانون العمل من خلال مشروع القانون المعدل  المتعلق بالمادة 108 من قانون العمل والتي تختص بضبط مخالفات أصحاب العمل تجاه ممثلي العمال المنتخبين من قبل العمال أو حتى أولئك المعينين من قبل الهيئات الادارية للنقابات العمالية.

التعديل المقترح على هذه المادة هو حذف كامل الفقرة التي تتحدث عن دور المحكمة في اعادة ممثل العمال الى عمله في حال قام صاحب العمل بفصله عن العمل مع الحكم له بكامل أجوره عن مدة انقطاعه عن العمل ولغاية تاريخ صدور القرار بإعادته إليه وإذا لم يتمكن العامل من العودة إلى عمله لأسباب تتعلق بصاحب العمل فله المطالبة بتعويض إضافي لا يقل عن أجور ستة أشهر ولا يزيد على اثني عشر شهرا وذلك إضافة إلى تعويض الفصل التعسفي وأي حقوق أخرى مترتبة له وفق أحكام هذا القانون.


تخفيف القيود على الفصل التعسفي وتحييد القضاء


اذا ما نظرنا الى مجمل التعديلات المقترحة على قانون العمل نجد أن التوجه العام لهذه التعديلات هو تخفيف القيود على الفصل التعسفي وانهاء عقود العمال؛ بالاضافة الى تحييد  القضاء عن انصاف العمال والنقابيين المتضررين و كف يد مجلس النواب عن تجويد التشريعات التي تحمي العمال من خلال تشديد شروط الاستغناء عن العمال لحماية أمنهم الوظيفي وحماياتهم الاجتماعية.

 ان نقل ملف الفصل التعسفي من قانون العمل الى نظام خاص تصدره الحكومة يتم من خلاله تشكيل لجنة للنظر في حالات انهاء العمل بحيث لم يعد على صاحب العمل مواجهة القضاء اذا ما هو أقدم على انهاء خدمات العمال وما عليه سوى التعامل مع لجنة يتم تعيينها من قبل الحكومة؛ مع الاشارة الى أن الحكومة ذاتها تعتبر صاحب عمل للعديد من المؤسسات وينضوى تحت مظلتها آلاف العاملين وعليه ستكون مهمة الحكومة في انهاء عقود العمال أو فصلهم تعسفياً - بحجة الترشيق ربما - أسهل بكثير ولا يترتب عليها الوقوف أمام القضاء.


 تكبيل يد النقابات العمالية وتهميش دورها


التعديلات المقترحة على المواد 25 و 28 و 31 تعتبر تعديلات خطيرة تقوض العمل النقابي وتكبل يد النقابات العمالية في الدفاع عن العمال؛ حيث سيكون الاستغناء عن نسبة كبيرة من العمال أو فصلهم تعسفياً أو انهاء عقودهم هو أمر مقونن وبالتالي تفقد النقابات العمالية أوراق ضغط كبيرة كانت بيدها للدفاع عن العمال.

ومن المعلوم أن النقابات العمالية حينما تمارس المفاوضة الجماعية باسم العمال فإنها تتحصن بنصوص قانونية للدفاع عن الحقوق العمالية وكلما كانت هذه النصوص قليلة أو غير واضحة أو معومة تكون المهمة أصعب أمام النقابات العمالية وستقف عاجزة أمام اقدام أصحاب العمال على انهاء خدمات العمل كون التعديلات المقترحة على القانون تقوي من موقف أصحاب العمل.

واذا ما علمنا أن التحدي الكبير للنقابات العمالية -عادة- هو زيادة الانتساب النقابي كون الانتساب لهذه النقابات اختياراً ويجب أن يتم بمحض ارادة العامل؛ بما يستوجب على النشطاء النقابيين اقناع العمال بجدوى العمال النقابي ودوره في الحفاظ على حقوق العمال وأمنهم الوظيفي؛ فإن تم نزع هذه الورقة من يد النقابات العمالية فسيكون الانتساب لهذه النقابات غير مجدي اطلاقاً من وجهة نظر العمال وستزيد حالة العزوف وعدم الثقة بالعمل النقابي العمالي برمته.


ممثلو العمال لقمة سهلة في يد أصحاب العمل


من المعروف أن العديد من أصحاب العمل يحاربون العمل النقابي بشكل عام ومنهم من يخالف القانون بمنع العمال من الانتساب للنقابات العمالية، ومنهم من يمنع تشكيل لجان نقابية داخل المنشآت ويحارب النشطاء النقابيين الذين لهم دور في تنظيم العمال داخل هذه النقابات؛ ولكن قانون العمل كان لهم دائماً بالمرصاد وشكل غطاءاً قانونياً وقضائياً لممثلي العمال أشبه ما يكون بالحصانة بحيث يمكن لممثلي العمال ممارسة دورهم ونشاطهم النقابي وتشكيل اللجان والتفاوض باسم العمال والتلويح بتنفيذ اضراب عمالي وابرام عقود العمل الجماعية دون الخوف من فقدانهم لوظائفهم بسبب هذا النشاط.

التعديلات المقترحة على قانون العمال وخاصة على المادة 108تعد بمثابة كشف ظهر ممثلي العمال أمام صاحب العمل وتحييد القضاء عن انصافهم وحمايتهم؛ وبالتالي سيصبح النقابيون هم الأكثر عرضة لتغول أصحاب العمل مما يعني عزوف العمال عن التقدم لقيادة النقابات العمالية وستفقد النقابات العمالية العديد من الكفاءات العمالية وخاصة الشبابية والنسائية.


تهميش دور النقابات العمالية واضعاف النقابيين هي دعوة للفوضى وتجاوز القانون


من المعلوم أن من أهداف وغايات النقابات العمالية ضبط الحراكات العمالية وتوجيهها وضمان عملها تحت مظلة القانون؛ فتشكيل اللجان النقابية وتنظيم اجتماعات ممثلي العمال مع أصحاب العمل والمفاوضة الجماعية والاضراب العمالي وعقود العمل الجماعية .. كلها مصانة ومحمية ومنظمة في قانون العمل، ولعل وجود أدوات قانونية بيد النقابات العمالية وتحصين النشطاء فيها لها السبب الأكبر في اقبال العمال على الانتساب لهذه النقابات، فإذا ما تخلى القانون عن حماية العمال من انهاء الخدمات التعسفي وتحصين ممثلي العمال لضمان قيامهم بواجبهم في حماية العمال وتجويد التشريعات لتشديد شروط انهاء خدمات العمال؛ فسيبحث حينها العمال عن لافتات أخرى ينضون تحتها غير النقابات العمالية وطرق أخرى خارج نطاق القانون كتنظيم اضرابات عمالية عشوائية لحماية العمال مما يربك المشهد العمالي النقابي ويقلل من فرص حل النزاعات العمالية ويفشل السعي لتكريس الحوار الاجتماعي لحل هذه النزاعات.


المطلوب حراك نقابي عمالي حزبي لمواجهة هذه التعديلات


ان أكثر فئة يمكن لها أن تدرك خطورة هذه التعديلات هم العمال والنشطاء النقابيين وممثلي العمال المنتخبين والذين يتوجب عليهم تنظيم صفوفهم وترتيب أوراقهم وممارسة نضال عمالي واعي ويستثمروا وجود الأحزاب في مجلس النواب لتشكيل ائتلاف يواجه هذه التعديلات وردها والضغط باتجاه فتح قانون العمل واعادة صياغة قانون عصري تشارك فيه أطراف الانتاج الثلاثة ( الحكومة وأصحاب العمل والعمال ) من خلال طاولة حوار اجتماعي حقيقي وفاعل.

ان علاقة العمال مع الأحزاب يجب أن تكون مبنية على مبدأ تحقيق المصالح؛ فالعمال بحاجة هذه الأحزاب لدعم تحركها في مواجهة أي تغول على العمال وتشريعاتهم، وأيضاً فإن هذه الأحزاب لا يمكن لها أن تكون أحزاباً فاعلة وحية ان هي نأت بنفسها عن القضايا العمالية وعلى رأسها التشريعات العمالية، فقانوني العمال والضمان الاجتماعي على سبيل المثال يمسون جميع بيوت الأردنيين بكافة طبقاتهم وشرائحهم ويشكلون نقطة تجميع لجميع تباينات المجتمع.

ان التشريعات القوية ستعزز من قوة العمال التي هي قوة المجتمع، وتعاظم قوة الناس سينتج عنها أحزاباً قوية ونقابات عمالية فاعلة، فالكل بحاجة الكل لضمان نهضة الوطن والحفاظ على نسيجه الاجتماعي.





إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020