حادثة العقبة وفصل عمال الكهرباء تنذران بخطورة تعديلات قانون العمل

حادثة العقبة  وفصل عمال الكهرباء تنذران بخطورة تعديلات قانون العمل


حاتم قطيش - 20/10/2024

 لا يزال الحديث دائراً في أوساط المهتمين عن التعديلات المرتقبة على قانون العمل، حيث أقر مجلس الوزراء السابق مشروع القانون المعدل لقانون العمل ومن المتوقع أن يكون على طاولة مجلس النواب فور تأدية النواب للقسم ومباشرة أعمالهم التشريعية والرقابية.

لقد تم تناول هذه التعديلات من أكثر من جهة وربما أجمع الجميع أن مشروع التعديلات يتضمن بنوداً تتعلق بانهاء الخدمات والفصل التعسفي من شأنها التأثير بشكل سلبي ومباشر على الأمان الوظيفي و الحماية الاجتماعية للعمال.


التعديلات المقترحة على المادة 25 من قانون العمل حيدت القضاء من النظر في حالات الفصل التعسفي واستبدلت ذلك بصدور نظام خاص يصدر لهذه الغاية، ومن المعروف أن مجلس الوزراء هو من يملك صلاحية اصدار الأنظمة دون عرضها على أية جهة تشريعية كمجلس النواب مثلاً؛ وبالنظر الى التوجه الحكومي في السنوات القليلة الماضية من انهاء خدمات آلاف العاملين بحجة الترشيق الحكومي؛ فإن التخوف من أن النظام الذي سيصدر لهذه الغاية لن يحمل في طياته حماية اضافية للعمال بل ربما سيسهل المهمة أمام أصحاب العمال - ومنهم الحكومة نفسها- باللجوء الى الفصل التعسفي دون الخوف من الوقوف أمام القضاء لتبرير هذه الاجراءات.

أما بالنسبة للمادة 28 فإن التعديل المقترح عليها فيه تخفيف القيود على صاحب العمل من اللجوء الى فصل العامل عند غياب العامل عشرة ايام في السنة الواحدة سواء كانت هذه العشرة أيام متصلة أو متقطعة؛ خلافاً لنص المادة الحالي الذي ينص على أنه يحق فصل العامل في حال غيابه عشرة أيام متصلة أو عشرين يوماً منفصلة من العام الواحد.

ثم يأتي التعديل على المادة 31 باتاحة المجال لصاحب العمل الذي اقتضت ظروفه الاقتصادية أو الفنية تقليص حجم العمل أو استبدال نظام انتاج بآخر أو التوقف نهائياًعن العمل بانهاء عقود العمال لديه بنسبة قد تصل الى 30% من العمال في العام الواحد مع تحييد المحاكم المختصة من النظر في هذا الاجراء ان كان محقاً أم لا وترك العامل للتوجه للمحاكم الإدارية بمددها الزمنية الطويلة وعبئها المالي الكبير؛ مما يعني عدم مقدرة العامل من اللجوء الى المحاكم أصلاً؛ ثم ضمنت هذه التعديلات على المادة 31 الى المادة 21 التي تتحدث عن حالات انتهاء عقد العمل وفيها تندرج الحالات الطبيعية لانتهاء عقد العمل دون نزاع أو فصل أو أية حالة يمكن أن يترتب على صاحب العمل أو العامل تبعات قانونية أو مالية، بمعنى أن انهاء عقود 30% من عمال المنشأة بحجة تقليل الانتاج سيكون من ضمن الحالات الطبيعية لانتهاء عقد العمل !!!

قبل عدة أسابيع أقدم أحد العمال الأردنيين في أحد المصانع في مدينة العقبة على اطلاق النار على ثلاثة أشخاص منهم مديره الذي أقدم على فصله مؤخراً فأرداه قتيلاً، ثم ومنذ عدة أيام أقدمت الشركات المتعاقدة مع شركة الكهرباء الأردنية بانها خدمات ما يقارب 300 عامل يعملون في مجال جباية عدادات الكهرباء كونها تتجه لاعتماد العدادات الكهربائية الذكية التي تقرأ عن بعد.

ان هاتين الحادثتين توجبان التوقف عندهما مطولاً؛ فتدني درجات الفقر وازدياد نسب البطالة جعل العمال يرتضون العمل تحت ظروف صعبة وبأجور متدنية وبحمايات اجتماعية منقوصة مقابل التشبث بمصدر دخل - ولو كان قليلاً- لتأمين لقمة العيش وبعضاً من متطلبات الحياة الأساسية لعائلاتهم، وبالتالي فإن أي تهديد لهذا العامل بانهاء خدماته فإنه سيعتبر تهديداً لحياته وحياة أسرته بالكامل.

اننا وفي ظل الظرف السياسي الذي يؤثر على المنطقة برمتها خاصة التهديدات التي يطلقها المتطرفون الصهاينة بين الحين والآخر وتستهدف أمن واستقرار وسيادة الأردن فإنه حري بالحكومة أن تتجه نحو تمتين النسيج الداخلي وتقوية الجبهة الداخلية وتحقيق العدالة الاجتماعية وقطع الطريق على أية قرارات قد يتخذها بعض أصحاب العمل قد ينتج عنها ردات فعل غير محسوبة وتعصف بالأمن المجتمعي.

ان اقتراح تعديلات على قانون العمل تحمل في طياتها تسهلات لصاحب العمل انهاء خدمات العمال والفصل التعسفي وتؤثر بشكل مباشر على ما يسمى الأمان الوظيفي وتنتقص من شروط العمل اللائق وتقوض الحماية الاجتماعية للعمال لهي خطيرة للغاية ويزيد الأمر خطوة فوق خطورة كونها تأتي في ظرف لا يحتمل هكذا خطوة قد تودي بكل الجهود الرسمية وغير الرسمية المبذولة لتمتين الجبهة الداخلية لمواجهة المخاطر التي تحيط بنا.

ان مشروع القانون المعدل لقانون العمل يتضمن تعديلات تتعلق تحقق بعض المنافع للمرأة العاملة كالتعديل على المادة 27 التي تحصن المرأة العاملة من انهاء الخدمات منذ بداية الحمل وليس من الشهر السادس، والتعديل على المادة 70 بزيادة اجازة الأمومة تسعين يوماً بدلاً من عشرة أسابيع، والمادة 72 التي أعفت المرأة والرجل الذي ينتفعون من الحضانة المؤسسة من دفع مقابل، بالاضافة الى التعديل على المادة 66 باستحداث اجازة مدفوعة الأجر لمدة ثلاثة أيام في حال وفاة أحد الأقارب من الدرجة الأولى.

أقول ان هذه التعديلات "الايجابية" قد تدفع بمؤسسات المجتمع المدني والمهتمين بعمل حملات ترويجية لهذه التعديلات - وهذا أمر مقبول - ، ولكن التخوف أن هذه الحملات قد تخفف من وطأة المخاطر من التعديلات الأخرى، وبالنظر الى التجارب السابقة في تعديلات قانون العمل فإن كثيراً من التعديلات الايجابية تسقط خلال الرحلة التشريعية لمشروع القانون، فنصل بالنهاية الى اقرار قانون يتضمن العديد من المواد السلبية وتسقط العديد من المواد الايجابية والتي قد يكون السبب في تضمينها للمسودة كدس السم بالعسل بهدف المساعدة في الترويج للتعديلات ومواجهة الهجوم المتوقع من قبل المعارضين.



اقرأ أيضاً:


تعديلات جديدة على قانون العمل .. اختبار للنواب والأحزاب والنقابات العمالية


تعديلات قانون العمل تلغي الحماية عن النقابيين


إرسال تعليق

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

رنان

2020