حاتم قطيش - رنان
19/2/2025
من الأفكار الدخيلة والرائجة لدى البعض قولهم بشرعية الحكم القائم على القوة القسرية، أي أن من يستولي على الحكم بقوة السيف وهزم خصومه حُق له الاستيلاء على البلاد والعباد ويعتبر إماماً شرعياً تجب طاعته وتحرم معصيته أو الخروج عليه!!
وبالرغم من أن الإسلام لم ينص على مشروعية هذا المسلك في الاستيلاء على الحكم بل على النقيض تماماً فالمسلك الشرعي المنصوص عليه يمكن اختصاره بقوله تعالى " وأمرهم شورى بينهم "، الا ان بعض شيوخ السلاطين يروجون لهذه الفكرة ابتغاء تجريم أي صوت يطالب بحقه في ابداء الرأي والمعارضة!!.
يبدو أن هذا الفكر في تدجين الشعوب وقمعها قد انسحب حتى على بعض التكوينات التي يفترض أن ترتكز بشكل أساس على حرية التنظيم وحرية الانتخاب كالتكوينات العمالية أو ما يسمى بالنقابات العمالية وهو ليس حكراً على بلد دون بلد آخر بل يتعداه ليكون بمثابة ما يطلق عليه " مما عمت به البلوى"؛ فقد تجد بعض ممن يجثمون على صدر النقابات العمالية لأعوام طويلة ممن لم يأتوا بإرادة عمالية حرة يتبنون ما يمكن تسميته " النقابي المتغلب "، حيث يتم النظر أن فلاناً قد تقلد قيادة هذه النقابة دون النظر الى شرعية انضمامه للنقابة ابتداءاً، أو الطريقة التي استولى فيها على قيادة النقابة من تغييب لرأي العمال والقفز عن ارداتهم ليتحكم بعد ذلك بمصيرهم وأموالهم!!
هؤلاء " المتغلبون" أجازوا لأنفسهم الاستيلاء على ارادة العمال، فاستولوا على التكوينات النقابية ثم قاموا بقوننة هذا الاستيلاء غير المشروع بترسيخ وجودهم واستحالة تحقيق تخلص العمال منهم ثم قاموا بإغلاق الباب أمام وصول الشباب والمرأة الى قيادة النقابات العمالية؛ ولكنهم جعلوه موارباً ليتمكن بعض الشباب والنساء ممن يدورون في فلكهم ويسبحون بحمدهم ليل نهار من الولوج الى القلاع النقابية الحصينة!!
ومع فرض سياسة الأمر الواقع ورسم طريق وهمي بأن الطريق الى قيادة النقابات العمالية يجب أن يمر من ممر الولاء للقيادات التاريخية لهذه النقابات، والواقع -للأسف- يقول أن هذه السياسة تؤتي أكلها فضعاف النفوس يهرولون الى كسب ود وثقة أية قيادة نقابية ابتغاء منفعة أو مصلحة، أما بعض النقابيين الشرفاء فيعتقدون أن العقل والمنطق يقول بوجوب التعاطي مع هذه القيادات كونها أمراً واقعاً، فتستدرجهم شياطين الإنس والجن الى حظيرة النقابي المتغلب من باب الحرص على مصالح العمال وحقوقهم.
أما المنظمات الدولية التي تمارس علينا دور الاستاذية وتنظر الينا من أعلى ولا تنفك عن تصديعنا ليل نهار بالحريات النقابية وضرورة أن نهجر تخلفنا و نحذو حذوهم في تبني اتفاقيات العمل الدولية والمصادقة عليها والسعي الى تطبيقها؛ نجدها تقفز عن كل هذه "المبادئ" وسرعان ما تدور في رحى النقابي المتغلب وتتسابق الى طلب وده وكسب ثقته بالرغم من معرفتهم ويقينهم بل ووقوفهم أحياناً على التجاوزات والانتهاكات التي يقوم بها هذا المتغلب في حق العمال وحريتهم النقابية.
ان اتباع سياسة " النقابي المتغلب " في قيادة التكوينات والنقابات العمالية واعتبار التنافس على قيادة هذه النقابات هو تنافس قوة بحت؛ بمعنى أن من يستطيع بقوته لا بأصوات العمال أن يجثم على صدر النقابات العمالية سيبقى جاثماً حتى يأتي نقابي متغلب آخر أكثر قوة وأكثر دهاءاً وأوسع علاقات فينتزع منه هذه النقابة، ثم وبليلة وضحاها سيتسابق اليه العمال والنقابيين ابتغاء ثمن بخس يجود به عليهم وستتسابق اليه مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية الراغبة في تنفيذ مشاريعها المنادية " بالحريات النقابية "!!
ان هؤلاء "المتغلبون" ما كان لهم مصادرة حق العمال في اختيار ممثليهم لولا الضعف والتهميش والتغييب الذي يعاني منه العمال وغياب ما يسمى " قوة العمال " التي تمكنهم من انشاء النقابات العمالية والانتساب لها بحرية ، ووضع الدساتير والأنظمة الداخلية وتعديلها بحرية أيضاً وممارسة دورهم في اختيار وانتخاب ممثليهم بل ومراقبتهم ومحاسبتهم أيضاً .. أقول ان كل الضعف والتهميش الذي يعاني منه العمال حله يكمن في أيديهم فقط؛ ان هم آمنوا بأنفسهم ودافعوا عن حقهم في استرداد نقاباتهم ليتمنكوا من المساهمة في تنمية وخدمة أوطانهم، ودافعوا عن تنظيماتهم العمالية وحصنوها من الدخلاء المتغلبون، بالتأكيد ستعود النقابات العمالية الى ألقها وقوتها وموقعها الحقيقي في قيادة العمال والدفاع عن حقوقهم والنضال من أجل تحسين ظروف العمل وتجويد التشريعات الناظمة لسوق العمل، قد ينظر البعض الى هذه الكلمات باعتبارها ضرباً من أحلام العصر ولكني أقول ان حقائق اليوم هي أحلام الأمس، وان أول بوادر الخيبة و الانهزام هو التوقف عن الحلم.
إرسال تعليق