حاتم قطيش - رنان
9/3/2025
منذ عدة أشهر والحديث يدور حول مخاطر بعض مواد المشروع المعدل لقانون العمل وخاصة المادتين 31 و 108، ولكن التفاعل - من قبل الجميع - لم يكن على مستوى الخطر؛ فعندما نتحدث عن مواد تسهل انهاء خدمات العاملين وممثلي العمال وبأعداد كبيرة سنوياً مع تحييد كامل لوزارة العمل والقضاء في الضبط والتدقيق على مشروعية الخطوات التي يقوم بها صاحب العمل ليصار لاحقاً الى مضاعفة نسبة البطالة - المرتفعة أصلاً- وتحمل مؤسسة الضمان الاجتماعي أعباءاً قد لا تقوى على حملها في المستقبل القريب فقد أصبحت نقطة التعادل تهرول بالاقتراب مؤذنة بخطورة حقيقية تهدد أموال الضمان الاجتماعي في ظل حالات التقاعد المبكر " القسري " التي تسببت به احالة الحكومة لآلاف موظفي القطاع العام الى التقاعد وفي ظل فتح الباب أمام القطاع الخاص ليتمكن أصحاب العمل الى انهاء خدمات عشرات الآلاف من العمال كل عام.
أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي
شهد اليومين الماضيين حراكاً اعتراضياً محموداً وايجابياً وأصبح العمال يتداولون فيما بينهم سلبيات تعديل المادة 31 والخطر المحدق بالوظائف وسوق العمل؛ ولكن للأسف فقد جاءت هذه الحملة متأخرة كثيراً حيث جاءت بعد أن قام مجلس النواب بالتصويت على المادة واقرار التعديل المرسل من قبل الحكومة مع تعديل النسبة والقفز عن توصيات لجنة العمل النيابية التي انتبهت مبكراً لمخاطر التعديل المقترح على المادة 31 فرفضته رفضاً كاملاً بل وكانت مداخلات أعضاء اللجنة تحت القبة مشرفة .. ولكنها للأسف لم تثمر.
ان حالة الوعي التي سرت بين صفوف العمال أنفسهم لهي مؤشر خير ودليل على أن النقابات العمالية والنشطاء والأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني يمكن لهم أن يشكلوا حالة ضغط اعلامية على صناع القرار وأيضاً توعية وتحفيز العمال للانخراط والاشتباك مع القضايا العمالية التي تمسهم وتمس وظائفهم.
هب أن هذا الحراك المعترض على تعديل المادة كان قد سبق جلسة مجلس النواب وتبعه خطوات تصعيدية تتناسب والخطر المحدق بالعمال جراء تعديل هذه المادة؛ أزعم أن الوضع كان قد اختلف ولما مر التصويت على هذه المادة بالشكل العشوائي الذي مر به ولأدرك النواب مخاطر هذا التعديل ومخاطر انحيازهم لأصحاب العمل على حساب العمال.
فرصة تدارك الأمر ضعيفة .. ولكنها ممكنة
بعد التفاعل الكبير الذي تبع اقرار تعديل المادة 31، سارع حزب جبهة العمل الاسلامي الى الطعن بطريقة تصويت المجلس على المادة وأكد أنه سيتقدم بمذكرة يطلب فيها اعادة فتح المادة للتصويت من جديد؛ ثم ما لبثت لجنة العمل النيابية أن أعلنت عن نيتها طلب فتح المادة 31 من جديد للتصويت، وفي حال تم فتح المادة والتصويت على رفض التعديلات فستكون الجهود قد أثمرت وستشكل رسالة قوية للنواب عند مناقشة باقي مواد قانون العمل وخاصة المادة 108.
في حال لم يتم فتح المادة من جديد أو تم فتحها واعادة التصويت وكانت نتيجة التصويت مؤيدة للتصويت السابق؛ فإن مشروع القانون سيأخذ طريقه الى مجلس الأعيان وهناك تكمن فرصة تشريعية جديدة تتطلب جهداً أكثر تنظيماً واحترافية من الجهد السابق في التوقت والأداء؛ فإذا ما أثمرت الجهود المبذولة في اقناع الأعيان برفض التعديل فسيقوم مجلس الأعيان بإرجاع التعديل الى مجلس النواب من جديد .. كل ذلك يعتمد على زخم الجهود المبذولة.
فلنأخذ العبرة وندرك المادة 108
من المعروف أن من جملة المواد المطروحة للتعديل ضمن مشروع القانون المعدل لقانون العمل هي المادة 108 والتي تختص بممثلي العمال حيث حظرت الفقرة (أ) من المادة على صاحب العمل اتخاذ اي اجراء ضد ممثل العمال بسبب نشاطه النقابي بما في ذلك الفصل من العمل ، ثم جاءت الفقرة (ج) لتعيد الحق لممثل العمال في حال تم فصله من العمل بناءاً على نشاطه النقابي بالعودة الى عمله من خلال قرار محكمة بعد النظر والتثبت بأن الفصل كان على أساس نشاطه النقابي وليس مخالفة للأنظمة والقوانين.
التعديل المقترح من الحكومة على الفقرة (ج) هو الغاء دور المحكمة في النظر في فصل العامل واتخاذ قرار بارجاعه الى العمل، مما يترتب عليه عدة مخاطر منها:
- تحييد دور المحكمة في ارجاع العامل المفصول من عمله بناءاً على نشاطه النقابي فيه تحييد للدور القضائي في انصاف العمال وهي الجهة الأقدر على النظر في البينات واثبات الحقوق بين العامل وصاحب العمل.
- كشف الحماية القضائية عن النشطاء النقابيين فيه اضعاف لدورهم النقابي في مجال المفاوضة الجماعية مع صاحب العمل، وبالتالي يمكن لصاحب العمل فصل الممثل النقابي الذي يفاوضه بخصوص الحقوق العمالية دون أي فرصة بارجاعه الى عمله مما يضعف موقف العمال التفاوضي ويفتح المجال لبعض أصحاب العمل من التغول على الحقوق العمالية، كذلك وفي حال انتهاك صاحب العمل للحقوق العمالية واغلاق باب الحوار مع العمال والنقابات العمالية واضطر العمال الى اللجوء الى وقفة احتجاجية أو اضراب عمالي فإن أي عامل لن يجرؤ على اتخاذ هذا القرار مخافة عقوبة الفصل التي لا رجعة عنها، مع العلم أن العديد من ممثلي العمال قد تم فصلهم من العمل بناءاً على نشاطهم النقابي بالرغم من وجود هذه الحماية القضائية مما يشير الى عدم كفاية هذه المادة أصلاً في حماية العمال؛ فكيف الحال في حال شطبها.
- ان العمل النقابي العمالي يعاني من ضعف شديد وعزوف كبيرمن العمال بسبب الخوف من صاحب العمل، وان وجود هذا النص في الفقرة (ج) -المنوي شطبها- يعتبر بمثابة حصانة لممثلي العمال ليتمكنوا من الدفاع عن عمالهم، وان شطب هذه الفقرة يعتبر بمثابة افشال للعمل النقابي العمالي وعدم تجرؤ أحد من العمال من التقدم لتمثيل العمال وقيادة النقابات العمالي.
- ان أساس العمل النقابي يرتكز على الحريات النقابية، وبالرغم من ذلك فإن هناك الكثير من أصحاب العمل يعاقبون من يتصدر للدفاع عن العمال بطرق غير مباشرة، ومع شطب هذا النص من الفقرة (ج) يفتح الباب على مصراعيه وبشكل مباشرة أمام أصحاب العمل لفصل أي عامل بناءاً على نشاطه النقابي.
لقد حدد مجلس النواب جلسته القادمة يوم غد الإثنين ومن المفترض أن يستكمل المجلس مناقشة والتصويت على باقي مواد قانون العمل؛ وعليه ولكي لا نجد أنفسنا أمام خيار اصدار بيانات الشجب والاستنكار بعد اقرار هذا التعديل - كما حصل مع المادة 31- فإنه يلزم تحرك سريع وديناميكي وقوي من الجميع للحيلولة دون الغاء الحماية القضائية عن ممثلي العمال وتسهيل فصلهم.. فهل من مستجيب
إرسال تعليق